أمس، قالت أكثرية المعلّمين كلمتها. يجب الانحناء أمام قرار هذه الأكثرية، وتهنئة النقيب الجديد وأعضاء المجلس التنفيذي، وحضّهم على أن تصون أولويتُهم الأولى مصلحةَ المعلّمين واستقلال العمل النقابي، أياً تكن الانتماءات السياسية للنقيب والأعضاء. يفترض ذلك، في المقابل، مراقبة عمل مجلس النقابة الفائز بلزوم تشكيل مجلس ظلّ له.
حقيقتان دامغتان وناصعتان تمثلان بقوة في مواجهة هذه النتيجة: الأولى أن 43 – 44 في المئة من المعلّمين رفضوا الانصياع للوصاية السياسية والدينية على العمل النقابي. يجب الانتباه جيداً إلى هذه الحقيقة التي أصفها، بدون انفعال، بأنها “تاريخية”، داعياً، بحكمة وعقلانية واستشراف رؤيوي، إلى عدم الاستخفاف بها. أقول للمعلّمين أولاً، وللمواطنين ثانياً، وللسلطة السياسية ثالثاً، أوعا الاستخفاف بـ 43 – 44 في المئة من المعلّمين قالوا “لا” لمحدلة سياسية – طائفية، قوامها “التيّار الوطني الحرّ”، “القوّات اللبنانية”، “تيار المستقبل”، حركة “أمل”، “حزب الله”، “الجماعة الإسلامية”، و”المردة”. كلّ استخفافٍ بهذا المعطى الواقعيّ، هو تزويرٌ مشهود، من شأنه التعمية على الوقائع الموضوعية، وتقليل أهميتها الرمزية، وطمس دلالاتها، واستدراجها لتكون في خدمة منطقٍ تعميميّ، “ترهيبيّ”، يوازي منطق غسل الأدمغة. الغاية من هذا المنطق هي الآتية: “إقناع” الناس برفع الرايات البيض أمام تحالف أهل السلطة، والاستسلام للمحدلة التي تريد وضع اليد نهائياً على كلّ حلٍم وطنيّ بالتغيير.
لا تنسوا هذه الحقيقة “التاريخية”.
الثانية، أن المهندسين تمكنوا في انتخاباتهم النقابية قبل أشهر من إحداث خرق نوعي للائحة الوصاية السياسية و”اجتراح” فوز النقيب جاد تابت.
ماذا بعد انتهاء العاصفة؟ هل يجب أن أقول “هنيئاً” للفائزين الذين يقفون وراء هذا الفوز؟ نعم. شرط إعداد العدّة “الباردة” لـ”الانتقام” المدروس، المحنَّك، والمنزَّه من كلّ عيب، في المواجهة الوطنية الكبرى عبر الانتخابات المقبلة. سرُّ ذلك ماثلٌ في القول الفرنسي: La vengeance est un plat qui se mange froid.