25-06-2021 | 00:11 المصدر: النهار



مشهد من العاصمة بيروت (تعبيرية- نبيل اسماعيل).
نشرت “النهار” في الصفحة الاولى من عدد الاربعاء تاريخ 23 حزيران ان تحويلات اللبنانيين الى سويسرا تضاعفت استنادًا الى موقع “فاي نيوز” في سويسرا، وربما الاسم الاصح #”فايك نيوز”، اي الاخبار الملفقة! الذي يتفاعل مع موقع Accountability Now (المحاسبة الآن) الذي أسسه محام ومحامية لبنانيان يعملان في سويسرا هما زينة واكيم ووليد سنو، وقد روّجا في اوائل نيسان انهما ادعيا على المتسببين بتحويل 400 مليون دولار.
محاولة زينة واكيم ووليد سنو بدا انها مغرضة وتهدف الى نيل الشهرة على حساب اتهام قياديين لبنانيين بممارسة عمليات تبييض اموال. وحينما تلقّى مؤسسا “المحاسبة الآن” تبليغات رسمية من مكاتب حقوق بريطانية، تراجعا عن اتهامهما وسطرا رسالة اعتذار بتاريخ 11 نيسان وتعهدا ان يبتعدا عن الاساءة والتجريح، واعتذرا من كل من اصابته شظية عملهما.
بعد الاعتذار العلني لمؤسسَي “المحاسبة الآن” وتعهدهما الامتناع عن اشاعة اخبار فاسدة حول الوضع المالي للبنان، نشهد الآن على موقع “فاي نيوز” تصريحات مغايرة للحقيقة، وكان هذا الموقع تعاطف مع ادعاءات موقع “المحاسبة الآن” سابقًا.
موقع “فاي نيوز” يشير الى ان العملاء اللبنانيين أودعوا في سويسرا، واستنادًا كذلك الى بيانات “البنك الوطني السويسري” عام 2020، 2.5 ملياري فرنك سويسري او 2.7 ملياري دولار، ويؤكد، نقلاً عن البنك الوطني السويسري، ان هذا يمثل اعلى مبلغ منذ ان بدأ البنك الوطني السويسري اصدار البيانات عام 1996. ويطالب اصحاب موقع “فاي نيوز” بتحرك القضاء اللبناني للكشف عن التحويلات غير الشرعية، علمًا ان القانون اللبناني لا يزال يسمح بالتحويلات، وما يمنع تدفق التحويلات هي ممارسات البنوك اللبنانية، والتي هي غير قانونية سواء بالنسبة الى سحب الودائع او تحويلها.
الامر المثير للاستغراب ويبعث على الشك في نيات اصحاب موقع “فاي نيوز” كما بعث على الشك في ادعاءات موقع “المحاسبة الآن”، هو ان ثمة تحويلات اجريت عام 2019 طاولت 6.5 مليارات دولار اي ما يعادل تقريبًا ودائع اللبنانيين في سويسرا حاليًا، وحيث افترض في حينه ان المبلغ المشار اليه حوّل من قبل 9 عملاء، لم تجد السلطات السويسرية ما يدعو للاستغراب.
زيادة في التوضيح ان القصد من ترويج احصاءات مالية غير صحيحة للاضرار بالاقتصاد اللبناني، نشير الى ان اللبنانيين حولوا من سويسرا الى لبنان عام 2009 مبالغ تفوق الـ 10 مليارات دولار، حيث ان النظام السويسري يسمح بذلك، علمًا ان اكبر بنكين في سويسرا كانا في وضع مفلس وتم انقاذهما من قبل السلطات السويسرية والبنك المركزي السويسري. تخوف اللبنانيين من الازمة المالية العالمية حينذاك دفع المودعين اللبنانيين الى تحويل 24 مليار دولار الى البنوك اللبنانية من البنوك السويسرية، البريطانية، الاميركية، الفرنسية والهولندية الخ.
اسهمت تلك التحويلات في زيادة حجم الودائع في لبنان وتحقيق فوائض على حساب ميزان المدفوعات مكنت لبنان من المحافظة على فائض حتى عام 2014 وكل ذلك تحقق لان النظام الاقتصادي في لبنان كان يسمح بحرية التحويل.
ان حرية التحويل الى لبنان ومن لبنان اسهمت في تمكينه من الانطلاق في اعادة بناء البنية التحتية وفي استقبال اموال ملحوظة لاعادة بناء وسط بيروت التي كانت منذ ايام الرومان تحوز احد انشط المرافئ في البحر المتوسط، والاقتصاد اللبناني لم يبدأ بالتدهور إلا بعد توسع دور الانفاق الحكومي بما يساوي 56% من الدخل القومي.
حرية التحويل من والى لبنان كانت السبب الرئيسي في تمكين اللبنانيين العاملين في افريقيا من تحويل بعض ما حققوه الى لبنان نقدًا لان حكومات غالبية البلدان الافريقية حتى تاريخه تفرض قيودًا على التحويلات.
اننا اليوم نعاني من محاولات تحديد شروط العمل بما شهده من قيود في سوريا مثلاً، والواقع ان لبنان بعد اقرار ضبط التحويلات capital control وتوزيع بطاقات الاغاثة للعائلات الفقيرة لن يكون سوى صورة مصغرة عن الاقتصاد السوري.
منذ الستينات وتحول الاقتصاد السوري الى نوع من الاشتراكية والحصرية في حرية ممارسة الاعمال والنشاطات، استقطب نشاط رجال اعمال مصرفيين سوريين واصبح هنالك نشاط مفيد لبعض هؤلاء في مجالات النفط والغاز والمصارف والنقل البحري والتطوير العقاري، وهذا التوجه افاد البلدين حتى اقرار دعم استيراد مشتقات النفط والغاز السائل.
بدأت عمليات تحويل نسبة 30-35% من مستوردات مشتقات النفط والغاز السائل الى سوريا، من دون اي تعويض عن تكاليف الدعم، الى الانتقاص من احتياط النقد
الاجنبي، سواء الدولار او اليورو، في لبنان واصبحنا نواجه اكبر مشكلة، اضافة الى تحويل الوجه الاقتصادي للبنان.
ادارات المصارف التي اشرفت على ادارة اصول وودائع في لبنان وفروعها الخارجية، تساوي 3 اضعاف الدخل القومي، اسرفت في الاقراض خصوصا بالنسبة الى حاجات الدولة، وعام 2018 وبحسب دراسة لفنيين يعملون مع السوق الاوروبية تجاوزت ديون المصارف للدولة والودائع الاجبارية لدى مصرف لبنان السيولة الجاهزة لتلبية حاجات تمويل الاقتصاد بصورة دورية، وقد نبهت سلطات السوق المشتركة الى ذلك كما صندوق النقد الدولي.
الودائع اصبحت رهن سياسات المصارف، وهذه السياسات ارتهنت الى حد ما بمبادرات رئيس جمعية المصارف الذي انتخب بناء على توصية رئيس الجمهورية مع ان خبرته المصرفية محدودة وغير واعدة، وهو كان وراء اول قرار بإغلاق المصارف لفترة 15 يومًا، ومن بعد تتابعت فترات الاغلاق بحسب قرارات الحكومة التي اصبحت حكومة تصريف اعمال.
التعليمات الحكومية للمحاكم الامتناع عن اصدار احكام تعرض المصارف للاغلاق، وهذه الوضعية تعزز قدرة المصارف على التحكم باسعار الصرف، فكان صاحب حساب بالدولار لا يستطيع تحصيل امواله بل ما يقابلها من ليرات لبنانية بحسب جداول تقرر من مصرف لبنان ومن ممارسات المصارف، وهذه الوضعية تسببت بانحسار حجم المبادلات وعمليات تصفية الالتزامات للشيكات المصدرة ما بين البنوك التي تجري كل يوم اربعاء انحسرت بنسبة 80%، الامر الذي يبين دقة الوضع.
كان مجمل حجم الودائع لدى البنوك اللبنانية بنهاية عام 2018 يساوي 142 مليار دولار، وقد انحسر هذا الرقم بنهاية شهر ايار 2020 الى 98 مليار دولار، وربما يعتبر البعض ان فارق الـ 44 مليار دولار خلال 18 شهرًا يعود لتحويلات الى الخارج. الواقع ان دعم مستوردات مشتقات النفط والغاز وتسرب 30% منها الى سوريا من دون اي تعويض عن تكاليف الدعم لهذه المستوردات هو السبب الرئيسي لتدني الموجودات.
كذلك حاجات الاستهلاك لعائلات الـ 1.2 مليون مودع على فترة 18 شهرًا تآكلت نسبة ملحوظة من الودائع، ومع ذلك لا تلوح امكانية تأمين نسبة من الودائع ما عدا اقتراح الـ 400 دولار نقدًا لكل حساب وُجد قبل 17 تشرين الاول 2019 وما يماثلها بالليرة اللبنانية على اساس احتساب سعر الدولار 12000 ل.ل، في حين ان صاحب الودائع لا يحظى الا بسعر 3920 ل.ل لحساباته بالدولار.
ازمة لبنان تتجلى في تحول نظامه الى ما يشبه النظام السوري، واستمرار ممارسات الدعم، وتأخير تشكيل الحكومة، وهذه القضايا بحد ذاتها تستأهل اكثر بكثير من محاولات التشويه والافتراء التي يقوم بها موقع “فاي نيوز” في سويسرا وقبله وربما المثال الذي اقتداه موقع “المحاسبة الآن”. فالتشويش الذي يمارسه موقع “فاي نيوز” وقبله “المحاسبة الآن” ما هو الا محاولة للتشويش على اي خطوات صحيحة في مواجهة الوضع الصعب.