اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / بعد 90 عاماً ماذا بقي من كتاب شكيب إرسلان: “لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم”

بعد 90 عاماً ماذا بقي من كتاب شكيب إرسلان: “لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم”

27-04-2021 | 00:09 المصدر: النهار

جهاد الزين

بعد 90 عاماً ماذا بقي من كتاب شكيب إرسلان

الكتابة صعبة عام 2021 عن كتاب الأمير #شكيب إرسلان “#لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم” الذي قرأته مؤخراً والذي أثار عنوانُه فضولي منذ زمن طويل.

الكتابة صعبة لا لأن الكتاب كتبه إرسلان عام 1930 وهوعبارة عن جواب على رسالة بعث بها رجل دين كبير من جاوة (إندونيسيا) هو الشيخ محمد بسيوني عمران “إمام مهراجا جزيرة سمبس برينو”. الشيخ عمران بعث الرسالة بواسطة الشيخ رشيد رضا يطالبه فيها أن يقترح على شكيب إرسلان أن يكتب ل”المنار”(مجلة رشيد رضا) مقالاً في “أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر وأسباب قوة الإفرنج واليابان وعزتهم بالملك والسيادة والقوة والثروة”. 

الكتابة صعبة عن هذا الكتاب لا لأنه بات يطرح مسألة فكرية وحداثية من زمن سابق يكاد يقارب القرن. ..

والكتابة صعبة لا لأن الكتاب “صعب”، فهو مرافعة في معظم أجزائه تستند على استشهاد وتوثيق متكرر وكثيف للآيات القرآنية في كل مجالات نقد المسلمين وحضهم على التمسك بدينهم، ولكن فكرته الأساسية واضحة جدا هي اعتبار أن الإسلام يتعرّض لهجوم يهدف إلى تصديع المسلمين للتخلي عنه.

 الكتابة الآن إذن في غاية الصعوبة عن كتاب الأمير المفكِّر لأن إسلاميته الشديدة قد تتعرّض لسوء فهم وتفاهم إذا كان سيعتبرها قارئ اليوم من أدبيات الفكر الإسلامي الأصولي فقط بعدما آلت إليه الحركات الأصولية في الزمن الراهن من تقهقر وفشل وسمعة سيئة تجعلها (اليوم)على تصادم مع معظم النخب المسلمة في العالم. 

يحاول الدكتور سعود المولى المتخصِّص في نتاج شكيب إرسلان في المقدمة التي نشرتها له ” الدار التقدمية” مع الكتاب أن يشرح السياق التاريخي لإسلامية شكيب أرسلان وكيف أنها تجلّت في موقع ريادي في حقبة ما بين الحربين العالميّتَيْن في مواجهة التوسع الغربي في العالم المسلم. بهذا المعنى وحسب ما يقول سعود:

 “وهو أيضا،(عن إرسلان) أول من أدرك سبب تطور الوطنية المصرية على قاعدة الإسلام، بخلاف القومية العربية التي تطوّرت في بلاد الشام على قاعدة رد الفعل ضد الاستبداد الحميدي (١٨٧٦- ١٩٠٨) ثم بعد ١٩٠٨ ضد الديكتاتورية والتتريك الذي مارسته جماعة تركيا الفتاة”. 

ويتابع سعود:” ولقد تابع المصريون بقلق وخوف التطورات الداخلية في تركيا، بدءاً من الدستور الجديد لعام ١٩٢٢ الذي يفصل الدولة عن الخلافة، ومرورا بإعلان إلغاء الخلافة (٣مارس-آذار-١٩٢٤) وانتهاءً بإلغاء اعتبار الإسلام دين الدولة في تركيا(١٠ إبريل- نيسان-١٩٢٨)”.

 ويتابع سعود المولى:”إن عداء إرسلان لتركيا الكمالية بعد إلغاء الخلافة لا حدود له فهو يبدأ بالهجوم ضد مصطفى كمال مذكّرا المسلمين بأن هذا الأخير قد قاد حرب التحرير تحت شعار الإسلام وأنه (أي مصطفى كمال) كان أرسل تلغرافاً إلى السيد أحمد الشريف السنوسي في ليبيا يقول له فيه أن المعركة قد بدأت،أنجدنا بصحيح البخاري”! 

لكل ذلك، أكرر، القراءة صعبة اليوم من حيث تصنيف فكر إرسلان، الذي قد يبدو على السطح، بمعايير اليوم، أصولياً فيما هو بمعايير زمنه وبمضمونه العميق، حداثيٌ حين تخرج الحداثة المنفتحة من الأصالة الثقافية. هذه الأصالة التي شوّهتها وأمعنت تشويهاً فيها التياراتُ الأصولية على مدى التسعين عاما اللاحقة بعد ولادة “حركة الإخوان المسلمين” في مصر عام 1928.

 ينقسم كتاب إرسلان إلى أجزاء عدة ترتكز جميعها على استشهادات من آيات قرآنية أشك أن يتمكّن من إيرادِها إلا فقيهٌ كبير في القرآن. وهذا يدل على أن الأمير شكيب ذهب أبعد بكثير من مجرد نزعته “البان إسلامية” (pan Islamic)السياسية الشهيرة التي كانت تتجسّد في استمرار ولائه للدولةالعثمانية حتى نهاية الأمبراطورية ليتحول في هذا الكتاب إلى فقيه إسلامي كبير بل إلى عالم قرآني حقيقي. فالقارئ سيجد نفسه تحت “إعصار” من الآيات التي يستحضرها المؤلف أمام كل فكرة، خصوصا حين يوجّه نقده إلى حالة مسلمي العصر. 

لكن المرافعة الحداثية المهمة في الكتاب تتجلّى في جزئه الثاني. ففيه يتصدّى الكاتب لمسائل عديدة في تفسير التقدم الأوروبي والأميركي ولاحقا الياباني، لعل أهمها حين يحاول أن يُثبِت أن احترام الإرث الديني لا يتناقض مع التقدم. وهو يدخل في استعراض واسع لحالات ساخنة في العالم المسلم من المغرب إلى السودان إلى تركيا إلى البوسنة إلى برقة (ليبيا) يومها تدل على أن هذا المثقف الكبير انطلاقاً من مكان إقامته في لوزان في سويسرا هو متابع يقظ ومهموم ومشارك لما يحصل في مناطق عديدة في العالم، خصوصا الإسلامي. 

هو يقسم المسلمين المسؤولين عن التخلف بين “جاحد” و”جامد”. ف “الجامد هو سبب الفقر الذي ابتُلِي به المسلمون لأنه جعل الإسلام دين آخرة فقط.” وإحدى الآيات التي يوردها هنا هي: “وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ” وآية أخرى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ – قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

 ويلاحظ إرسلان أن “مقاومة الجديد لم تكن خاصة بجامدي الإسلام، فقد قاومت الكنيسة في النصرانية كل جديد تقريبا من قول وعمل، ثم عادت فيما بعد فأجازته “.. “ومن سنتين حوكم أحد المعلمين في محاكم إحدى الولايات المتحدة لقوله بنظرية داروين ومُنع من التدريس”. 

“أما الجاحد” يكتب إرسلان “فهو الذي يأبى إلا أن يُفَرْنِجَ المسلمين وسائر الشرقيين ويخرجهم عن جميع مقوّماتهم و مشخّصاتهم، ويحملهم على إنكار ماضيهم، ويجعلهم أشبه بالجزء الكيماوي الذي يدخل في تركيب جسم آخر كان
بعيداً،فيذوب فيه ويفقد هويته”. 

“أفيجب أن نقول أن النصرانية كانت المسؤولة عن انحطاط اليونان..؟ يتابع إرسلان ويقول:”إن القائلين بأن الإسلام كان سبباً لانحطاط الأمم الدائنة به، لا مفر لهم من القول بأن النصرانية قد أدّت إلى انحطاط اليونان التي كانت قبلها عنواناً للرقي”. “ثم كانت رومية في عصرها الدولة العظمى التي لا يُذكر معها دولة، ولا يؤبه لجانب وصلتها لوصلة، إلى أن تنصّرت لعهد قسطنطين، فمنذ ذلك العهد بدأت بالانحطاط مادةً ومعنى…” 

إذن تبقى المرافعة الأهم في الكتاب، منظورا إليه من وقتنا الراهن، هي أن احترام الثقافة الدينية لأي شعب، وثنية أم غير وثنية، وفي كل الأديان ما يمكن اعتباره وثنيات، ليست هي معيار التقدم أو التأخر كما سلف من النقاط الأخيرة أعلاه. 

عند هذه النقطة قلت من البداية أن الكتابة صعبة اليوم عن هذا الكتاب، أقصد تصنيفه، فهذا الكاتب المتنور أي المواكب والمراقب لعصره لم يكن ليظن يوما أن أفكاره هذه بعد تجاربنا الوخيمة مع الإسلامات الأصولية (السنية والشيعية) يمكن أن يستخدمها من يصح القول هنا أن الكتابَ “أصبح” ضدهم جوهريا في الدرجة الأولى حتى لو أن مفهوم الإسلام الأصولي كان في سنوات نشوئه الأولى متأثرا بطروحات إرسلان بالمعنى الذي عرفناه فيما بعد. وحتى لو كانت لأفكار شريك شكيب إرسلان،أي رشيد رضا، تأثير ما في بروز راديكالية التيار الإسلامي. 

وشكيب إرسلان في كتابه بدون شك يثير مسائل صعبة جدا ليس داخل السجال بين المسلمين بل بين الغربيين أنفسهم التي يعود إلى العديد من كتابهم ومفكريهم البارزين في زمنه. وهو في أسفل الصفحة ١٠٣ يضع الملاحظة التالية كهامش أود أن أنقلها هنا رغم سعيي إلى عدم الإطالة: 

” علماء المسلمين يعتقدون أن النصرانية على ما طرأ عليها من الوثنية بالتثليث الوثني القديم أصلح لأنفس البشر من الوثنية الخالصة ولكنها ليست أصلح ولا أقبل للعمران المدني الذي تتنافس فيه أوروبا وغيرها….”.

 أحد المقاطع الجديرة بالاهتمام في الجزء الثاني من الكتاب الذي تظهر فيه بل، إذا جاز لي القول، “تتفجّر” فيه ذهنية إرسلان الحداثية، هما الصفحتان الشيِّقتان اللتان يخصّصهما أرسلان لعرض تجربة ما صرنا نسمّيه بالتعبير الماركسي “البورجوازي الوطني” طلعت باشا حرب وهو المصرفي والصناعي الرائد الذي يأتي على ذكره في الفصل المعنون:”أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير” و يعتبر سمته، أي العصر، “فقدان المسلمين كل ثقة بأنفسهم” حتى “أصبح المسلمون في الأعصر الأخيرة يعتقدون أنه ما من صراع بين المسلم والأوروبي إلا سينتهي بمصرع المسلم ولو طال كفاحه”. 

يشرح إرسلان في تقديم نموذج مضاد للتقهقر بأن طلعت حرب “عندما باشر بجمع الرأسمال الذي كان حدّده لإنشاء بنك مصر، وهو ٨٠ ألف جنيه، عانى في ذلك أهوالاً وذلك لما ران على عقول المسلمين من أنهم لا يقدرون على الاستقلال بعمل اقتصادي” و لما لبّى “أغنياءُ مصر” نداءه دون اقتناع حتى شاهدوا “المعجزة” في نظرهم وارتفع رأسمال بنك مصر إلى مليون جنيه واحتوت خزائنه من الودائع على ملايين الجنيهات و”كل هذا في ثماني عشرة سنة أنشأ فيها طلعت حرب ومدحت باشا يكن ورفاقهما على حساب بنك مصر شركة مصر للغزل والنسيج التي معملها في المحلة هو من أكمل وأعظم معامل الغزل والنسيج في العالم، يعمل فيه ١٨ ألف عامل يندر فيهم غير المصري” ويضيف: “وهناك من توابع بنك مصر شركة مصر لنسج الحرير وشركة مصر للتمثيل والسينما وكل هذه نالت معروضاتها الجوائز الكبرى في المعرض الدولي الباريسي سنة ١٩٣٧” ( هنا لا بد من خطأ حاصل في إيراد هذا التاريخ في الصفحة 121 فإما أنه خطأ طباعي وإما أنه إضافة حاصلة على النص لاحقا على يد الكاتب أو غيره ولذلك على دار النشر أن توضحه للقارئ لأن الكتاب انتهت كتابته عام 1930 بل صدرت طبعته الأولى في القاهرة عام 1930 فكيف يرد تاريخ العام 1937؟! أو هل أضاف الأمير شكيب نفسه مقاطع جديدة في طبعة لاحقة؟)

 قبل ذلك في ذلك الفصل يظهر إعجاب إرسلان الشديد بتنفيذ مشروع خط سكة حديد دمشق – الحجاز على يد السلطان عبد الحميد والذي لم يجر مدُّه من المدينة (المنورة) إلى مكة بسبب إهماله بعد خلع عبد الحميد ثم اندلاع الحرب الأولى. طول الخط 1400 كيلومتر بين دمشق و المدينة وتولّى “مهندسون مسلمون” الإشراف على تنفيذه عندما وصل أرض الحجاز “لمّا كان لا يُتاح لغير المسلمين دخول أرض الحجاز” بينما أشرف كبير المهندسين الألماني على أجزائه الأخرى.

 لو كان هذا المثقف الكبير حيّاً لكان “النقاش” معه فرصة لا تعوّض، ليس لسؤاله عن ماذا يبقى من كتابه المهم، فقد بقي الكثير من الأسئلة والهموم والثقافة وحتى الأجوبة التي تثير التفكير العميق، ولكن عن ماذا بقي من مشاريع استقلال بلدان مسلمة في محاولة التقدم الحضاري والاستقلال؟ وهو الموضوع العزيز عليه.

 النتيجة هزيلة لولا بعض الاستثناءات ذات القيمة.. وكيف كان الأمير شكيب سيقيّم تقدم ونجاحات النخب المسلمة المهاجرة إلى الغرب والمقيمة فيه في زمننا الحالي وهل كان سيعتبر أن بإمكانها في ظل الواقع الانتشاري الجديد الكمي والنوعي الجديد إنقاذ ” المسلم الجغرافي” كما كان يسمّي المسلمين ” الجامدين والجاحدين” المقيمين في بلادهم؟ وهو الذي يشيد ب”علماء نجد” حسب ماجاء في الصفحة 95 حرفيا:

 ” وهُمْ أبعدُ المسلمين عن الإفرنج والتفرنج وأنْآهم عن مراكز الاختراعات العصرية كيف كان جوابهم عندما استفتاهم الملك عبد العزيز بن سعود -أيّده الله- في قضية اللاسلكي والتلفون والسيارة الكهربائية؟ أجابوه إنها محادثات نافعة مفيدة، وإنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله،لا بالمنطوق ولا بالمفهوم، ما يمنعها”.

j.elzein@hotmail.comTwitter: @ j_elzein