الرئيسية / home slide / مئوية لبنان الكبير… كنّا نسكن الوهم

مئوية لبنان الكبير… كنّا نسكن الوهم

في الذكرى المئوية للبنان الكبير، تتعاظم مخاوف زواله، أكثر من دواعي الاحتفال بتأسيس الكيان. وبصرف النظر عن معاناة متمادية لشعبه حاضراً، فإن الماضي كان دوماً أسيراً لظروف النشؤ.

مئة عام سمتها الغالبة كان القلق، لأن التسويات التي عقدتها الطوائف من البداية، كانت وليدة تجاذبات وتوازنات بين المحيط القريب والبعيد. وعند أي اختلال كانت الكيان يهتز ويضطرب. والأمراض الاجتماعية والسياسية وتضارب المصالح في الداخل والخارج، التي كانت سائدة في متصرفية جبل لبنان، انتقلت إلى لبنان الكبير، وناء تحت ثقلها حروباً صغيرة وأخرى كبيرة وسلاماً بارداً أحياناً وتعايشاً لفظياً وبلاغياً خاليين من أي مضمون.

مئة عام، لم تولد وطناً، بل ولدت صراعاً بين الطوائف كانت تتضاءل خلاله حدود التسوية التي رُسمت بين اللبنانيين أو رَسمها لهم الخارج منذ عام 1920. تسوية أو مساومة أو مقايضة كان أساسها أن يتخلى مسيحيوه عن فرنسا مقابل أن يتخلى مسلموه عن سوريا، ثم كان الاستقلال، ولم تعمر “الصيغة” كثيراً. فكانت تهتز كلما انتهت ولاية رئيس للجمهورية وأراد التمديد، وكانت تهتز قبل كل انتخابات رئاسية ولا تزال حتى الان، وكانت تهتز عند كل انتخابات نيابية أو بعدها. وكانت تهتز عند قيام أحلاف في الإقليم، وكانت تهتز عند مفاصل الصراع مع اسرائيل، من 1948 إلى 1956، إلى 1967 وإلى 1973، وصولاً إلى الانفجار الكبير عام 1975، وما تلاه من تدخل سوري في لبنان بينما كانت المقاومة الفلسطينية في ذروة قوتها، والرئيس المصري الراحل أنور السادات يستعد للذهاب إلى إسرائيل تحت غطاء من دخان الحرائق في لبنان، إلى الغزو الإسرائيلي في 1982 تحت وهم أن يكون لبنان الدولة الثانية التي توقع سلاماً مع إسرائيل.

وعندما ظن البعض أن الحرب الأهلية انتهت باتفاق الطائف عام 1989، سرعان ما تبين أن الاتفاق لم ينهِ الحرب وإنما أقام سلاماً بارداً بين الطوائف، واتخذ الصراع أشكالاً أخرى أكثر حدة من دوي المدافع. وبدا ان اندفاع الطوائف إلى نيل نصيبها من الغنائم، وإدراك حصتها مما تبقى من رمق بلدٍ كان الوهن يدب في كل مفاصله.

بعد مئة عام، لم يعد الكيان يقوى على تلبية جشع حكامه. وها هو ينهار تحت وطأة المحاصصة والفساد، وفي حمأة قول البعض أنه يدافع عن صلاحيات رئيس الجمهورية واستعادة حقوق المسيحيين، وقول البعض أنه يدافع عن الطائف وصلاحيات منحه إياها ذاك الاتفاق، وقول البعض أنه خرج من غبنٍ تاريخي ولن يعود إليه، واستظلال البعض الوراثة والإقطاع السياسيين، ورفض التخلي عنهما، مهما اشتد آوار المحن واستعر.

بعد مئة عام انتصرت “الصيغة” ومات الوطن أو ما كان يفترض أن يكون وطناً ذهب الكثيرون في المبالغة فيه إلى حد الأسطرة.

بعد مئة عام يضرب اللبنانيين انفجار شبه نووي، فيدركون أنهم كانوا يسكنون الوهم، وأن واقعهم أسوأ بكثير مما كانوا يظنون.

samih.saab@annahar.com.lb