سركيس نعوم
النهار
19042017
قبل نجاح “حزب الله” وإيران ثم روسيا في منع انهيار النظام السوري كانت المعلومات المتوافرة تشير الى احتمال انتقال نار حرب سوريا من جولانها الى الجنوب اللبناني. ففي المنطقة الأولى وجود عسكري ليس فقط لـ”الحزب” بل أيضاً لـ”جبهة النصرة”. وهو لا يزال مستمراً لأسباب عدة قد يكون أبرزها وجود إسرائيل على الحدود وتعاونها مع “الجبهة”، وعدم سماحها بنجاح عملية عسكرية ضدها خوفاً من سيطرة أعدائها على الجبهة السورية المحاذية لها. وفي حينه سُرّبت أخبار عن خطة عسكرية تقضي بدخول عناصر “النصرة” الى الجنوب عبر طرق ترابية تربط الجولان السوري به. وفي حينه أيضاً كانت الأجواء اللبنانية مهيأة لعمل كهذا إذ كانت التعبئة المعادية لتدخّل “حزب الله” عسكرياً في سوريا في أوجها، وكان الانخراط وإن الفردي قائماً في الداخل السوري لمصلحة المعارضة والثوار. لكن ذلك كله لم يتحقق لأن مقاتلي المعارضة تلقّوا ضربات موجعة في منطقة القلمون المجاورة للبنان، ولأنهم خسروا عدداً من القرى والبلدات في ريف دمشق سواء بالحرب أو “بالمصالحات”، ولأن “حزب الله” والجيش اللبناني نجحا كل بمفرده وأحياناً عدة بالتعاون مع بعضهما في اقفال الحدود مع سوريا، وتالياً في منع التسلّل الفردي الارهابي والقتالي الجماعي الى لبنان. كما نجحا في الحد من “حركة” مقاتلي “داعش” و”جبهة النصرة” الموجودين في جرود بلدة عرسال اللبنانية وحتّى داخل البلدة نفسها.
لماذا إعادة تذكير اللبنانيين بهذا الأمر؟
ليس لأن هناك ما يشير الى قرار ما بالعودة اليه وتنفيذه. بل لأن المعلومات التي يمتلكها متابعون آخرون للحرب وأطرافها تفيد أن معركة قد تندلع في المنطقة الممتدة من الجولان السوري الى الحدود اللبنانية بين “النصرة” وربما تنظيمات معارضة إسلامية متشددة أخرى ومقاتلي “حزب الله” والجيش السوري وميليشيات عدة غير سورية. طبعاً لن تتوسع المعركة الى لبنان المجاور لساحتها. لكن المشكلة هي أن “حزب الله” اللبناني الهوية لا مشكلة عنده في القتال داخل سوريا. لكنه يحتاج الى خط إمداد بالأسلحة. وأفضل “خط” له هو الذي يأتي من داخل لبنان باعتبار أن مستودعاته ومخازنه على أرضه وأيضاً لأن إرسالها من سوريا الى مقاتليه لا بد أن يمر في لبنان أولاً قبل أن يتسلمه مقاتلوه داخلها. وهذا أمر ربما يثير إسرائيل التي لا تحتاج الى إثارة وخصوصاً في موضوع “الحزب” وسلاحه. فضلاً عن أن المعركة التي سيكون مشاركاً فيها لا بد أن تكون حاظية بمعرفة قادتها وحكومتها. كما لا بد أن يكون مقاتلو “النصرة” وربما غيرهم متمتعين بدعم هؤلاء. وانطلاقاً من ذلك فإن احتمال قيام الطيران الحربي الاسرائيلي بالإغارة على قوافل الأسلحة المرسلة الى مقاتلي الحزب في أراضي سوريا ثابت وشبه أكيد. لكن الاحتمال الأكثر خطورة، باعتبار أن ضربه قوافل ومستودعات أسلحة “الحزب” في سوريا صار أمراً روتينياً، هو أن يضطر الطيران نفسه الى ضربها في الأراضي اللبنانية. ذلك أن “الحزب” سيجد نفسه بين خيارات أحلاها مرّ. فامتناعه عن “الرد” داخل سوريا يستطيع تبريره بأسباب عدة، أما عدم الردّ في لبنان فيمسّ سمعته وهيبته وربما يؤثّر على مستقبله. لكن الردّ لا بد أن يتسبب بأضرار لا تحتمل للبنان الدولة والبنى التحتية و”الشعوب” والبيئة الحاضنة له، وخصوصاً إذا قررت حكومة إسرائيل أن الوقت حان لتوجيه ضربة قاصمة له تلافياً لزيادة تجرئه عليها وتحدّيه لها. طبعاً قد يقول البعض أن روسيا “حليفة” إسرائيل والأسد وإيران راعية “الحزب” ستحول دون تطور كهذا. وهي قد تنجح. ولكن ماذا إذا فشلت وخصوصاً إذا لم تساعد الإدارة الأميركية الجديدة روسيا في ذلك؟
هذه المعلومات “الطازة” إذا جاز وصفها كذلك تتزامن مع وضع لبناني بالغ التعقيد والخطورة بسبب استمرار الخلاف على قانون انتخاب جديد، والخوف من أن يوقع ذلك لبنان في الفراغ التشريعي الذي يعطّل الحكومة ورئاسة الجمهورية معاً رغم عدم اقتناع البعض بذلك، والذي ربما يصدّع التفاهم الشيعي – المسيحي ويرمّم جزئياً الخلاف السنّي – الشيعي، ويجعل المسيحيين يدفعون الثمن كالعادة. وما “ينقّز” في هذه المرحلة معلومة أضيفت الى معلومات سابقة نشرها “الموقف” قبل أسابيع أو ربما أشهر هي: أن “حزب الله” لا يريد فراغاً نيابياً، ولا يخشاه إذا حصل. والمعلومة الإضافية هي: أن “الحزب” لن يتدخل لمنع الفراغ اذا أصرّ أصحابه عليه. وتتزامن المعلومات نفسها أيضاً مع خوف من “انهيار” اقتصادي وربما نقدي.