النهار
17052018
شكل إنعقاد مؤتمر «سيدر» ونتائجه ولا سيّما حيال إقرار مساعدات مالية كبيرة بقيمة 11.6 مليار دولار صدمة معنوية كبيرة للبنان، إذ عكست ثقة المجتمع الدولي بالبلد وبقدرته على تجاوز الصعاب والتحدّيات الماثلة والمستقبلية التي يواجهها وسيواجهها خلال المرحلة المقبلة”، هذا ما خلصت اليه الدراسة التي أعدها مركز الدراسات الاقتصادية التابع لـ«فرنسَبنك» التي حملت عنوان «لبنان بين إصلاحات سيدر واختلالات الاقتصاد»، وتضمنت قراءة في نتائج مؤتمر «سيدر»، والإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، والاختلالات القائمة في الاقتصاد اللبناني، وتوصيات للسياسة العامة.
واعتبرت الدراسة أن الدولة هي اليوم أمام تحد حقيقي لإثبات قدرتها على الوفاء بإلتزامات مؤتمر «سيدر»، وتحديداً تطبيق الإصلاحات المالية والهيكلية والقطاعية المطلوبة من قبل الدولة والمنظمات الإقليمية والعالمية المانحة التي شاركت في المؤتمر.
وأكدت أن السلطات اللبنانية يجب أن تركّز على تكبير قاعدة الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تنشيط حركة القطاعات الاقتصادية الأساسية وتحديداً السياحة، والعقارات، والبناء، والصناعة، والقطاع المصرفي. فالاقتصاد الوطني بحاجة إلى معدلات نمو عالية تلامس 7-8 % سنوياً في السنوات القادمة كما حصل في بعض السنوات السابقة، وليس معدلات نمو ضعيفة في حدود 1-2 % وهي المعدلات السائدة في السنوات الأخيرة. وأن معدلات النمو الاقتصادي العالية المطلوب تحقيقها هي ضرورية من أجل تقليل معدل البطالة المرتفع حالياً في حدود 20 % عموما حسب تقديرات البنك الدولي وفي حدود 30 % بين الشباب حسب تقديرات اليونيسف، وزيادة فرص العمل في الاقتصاد الوطني بشكل متواصل خلال السنوات المقبلة يشكّل صمّام الأمان للإستقرار الاجتماعي في لبنان.
وأشارت الدراسة إلى أن لبنان بحاجة إلى ترشيد الإنفاق الإستهلاكي، وإلى تحسين الإمكانات التصديرية وضبط نمو الإستيراد الوطني، وفي الوقت ذاته ترشيق حجم القطاع العام، وزيادة الاستثمارات الخاصة والعامة.
وتحدّثت الدراسة عن ضرورة تركيز السلطات اللبنانية على السيطرة على عجزين أساسيين يواجهان لبنان، الأول هو العجز الخارجي المتمثل في كبر حجم العجز التجاري نظراً لتفوق قيمة الإستيراد الوطني (23 مليار دولار لعام 2017) على قيمة التصدير الوطني (3 مليارات دولار فقط للعام ذاته). أما الثاني فهو العجز الداخلي المتمثل في عجز المالية العامة للدولة الذي بلغ 3.8 مليارات دولار لعام 2017 بسبب تفوق قيمة النفقات العامة (15.4 مليار دولار) على قيمة الإيرادات العامة (11.6 مليار دولار). وهذه العجوزات المالية تغذي نمو الدين العام الذي قارب 80 مليار دولار في نهاية العام 2017 والذي ينمو سنوياً بأكثر من 5-6 %. وتعتبر نسبة هذا الدين إلى اناتج المحلي الإجمالي مرتفعة وهي تقارب 150 %، كما أن نسبة العجز المالي إلى هذا الناتج تعتبر هي الأخرى مرتفعة وهي بحدود 8 % كما في نهاية العام 2017.
وإذ أكدت أهمية زيادة الإستثمارات العامة والخاصة في قطاعات البنية التحتية مثل الكهرباء والاتصالات والطرقات والمياه وغيرها، من أجل تحديثها وتطويرها لكي تلعب دوراً مساعداً في تحريك معدلات النمو الاقتصادي صعوداً، شددت الدراسة على ضرورة قيام السلطات اللبنانية بإجراءات وتدابير حازمة وجدّية وفعّالة من أجل ضبط وتقليل الفساد، والتهرّب الضريبي (المقدّر بحوالي 4 مليارات دولار أو أكثر من 7 % من الناتج المحلي الإجمالي)، والتهرّب الجمركي، وكذلك معدل الجباية المتدني للأموال العامة وخصوصاً في قطاعات المياه والكهرباء (المقدّر بنحو 40 % فقط للكهرباء). ومما لا شك فيه أن هذه المصادر تفوّت على الاقتصاد اللبناني موارد مالية يمكن أن تدعم المالية العامة للدولة والناتج المحلي الإجمالي ونموه.
كما شددت على أهمية تنبّه السلطات اللبنانية لمفاعيل إمكانية زيادة معدلات التضخم في السنوات القادمة، عند ضخّ أموال «سيدر» (في حال تطبيق الإصلاحات المطلوبة) في الاقتصاد الوطني، وفي حال تم رفع معدلات بعض الضرائب الحالية مثل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على المحروقات وتطبيق تعرفات جديدة في قطاعي الكهرباء والمياه. أضف إلى ذلك تكاليف سلسلة الرتب الرواتب، المقدّرة بحوالي 1.8 مليار دولار بدلاً من 800 مليون دولار كما كان متوقعاً في البداية. وكذلك لمفاعيل إمكانية زيادة معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وأكدت أهمية تركيز الدولة على إطلاق المشاريع الاستثمارية الخاصة في قطاع النفط والغاز في أسرع وقت ممكن، لأن من شأن ذلك تنويع البنية الاقتصادية، وزيادة مصادر الدخل الوطني وأيضاً الدخل الفردي، وبالتالي تمتين ركائز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان مستقبلاً.