القدس العربي
لندن ـ القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
في تقرير مشترك لكل من إريكا سولومون ونجمة بوزرغ مهر بصحيفة “فايننشال تايمز″ جاء فيه إن إيران تحاول الحصول على عائدات طويلة الأمد من مغامرتها في سوريا، فالجمهورية الإسلامية التي أنفقت مليارات الدولارات وخسرت المئات في جهودها مساندة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلا أنها تكافح للحصول على عائدات من استثمارها الكبير في سوريا.
فعلى الورق حصلت الشركات الإيرانية والمؤسسات التابعة للحرس الثوري عقوداً اقتصادية ثمينة وتم توقيع اتفاق تفاهم لإدارة وتشغيل الهواتف النقالة ودور مهم يعود عليها بالربح الكبير من خلال مناجم الفوسفات. وكذلك حصلت على أراض زراعية وخطط لفتح فروع للجامعات الإيرانية في سوريا. إلا أن رجال الأعمال ودبلوماسيين نقلت عنهم الصحيفة شككوا في إمكانية تحقق الربح السريع وأن تطبيق الاتفاقيات هذه مؤجل بسبب تفضيل المسؤولين في النظام السوري الروس ورغبتهم في جذب العقود الروسية والصينية وخشيتهم من محاولات إيران زيادة تأثيرها. وبحسب رجل أعمال سوري “أنظر إلى الاتصالات، هناك فقط تفاهم وقع منذ عام أو أكثر ولم يوقعوا العقد بعد”. ويضيف أن الإيرانيين لم يجنوا بعد الأرباح من سوريا. مع أن الأعداء والأصدقاء ينظرون إلى إيران أنها من أكثر اللاعبين المخادعين في الشرق الأوسط حيث نشرت تأثيرها من خلال دعم ومساندة ميليشيات تتفق معها في النظرة والآيديولوجيا. وبالنسبة لإيران تقع سوريا تحت ما تراه “محور المقاومة” الذي يمتد عبر العراق وسوريا إلى حليفها في لبنان، حزب الله. إلا أن وجود إيران بالقرب من حدود إسرائيل بات يشكل مظهر قلق لها وحلفائها الغربيين خاصة الولايات المتحدة. فقد شهدت المنطقة تصعيدا نهاية الأسبوع الماضي عندما أسقطت الدفاعات السورية مقاتلة إسرائيلية بعد إطلاق طائرة بدون طيار إلى داخل إسرائيل. وردت إسرائيل بسلسلة من الغارات قالت إنها استهدفت قواعد ومواقع إيرانية داخل سوريا.
النجدة
وكانت إيران الأولى التي سارعت لنجدة الأسد بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية وكانت الأولى التي دفعت بقوات لدعمه عسكريا حيث عبأت مقاتلي حزب الله ونشرتهم ودفعت بإنشاء ميليشيات مسلحة وأحضرت مقاتلين من العراق وأفغانستان. لكن إيران تشعر رغم كل هذه التضحيات بأن جهودها الإستفادة من مصادر سوريا الطبيعية وعقود إعمارها ربما عرقلت بسبب وجود أكبر داعم دولي لدمشق وهي روسيا التي نشرت طيرانها عام 2015 وتدخلت لإنقاذ الأسد وحرفت الحرب لصالحه.
وتقول الصحيفة إن الإيرانيين والروس والأوروبيين يحذرون أن من المبكر بمكان الحديث عن مكاسب محتملة من إعادة إعمار نظرية. وتقدر الأمم المتحدة كلفة الإعمار بحوالي 300 مليار دولار. فالحرب بين الأسد والمعارضة التي خرجت للإطاحة به لا تزال دائرة. وتدعم الولايات المتحدة قوة تسيطر عليها ميليشيات كردية لمواجهة الجماعة الجهادية، تنظيم الدولة ونشرت 2.000 جنديا ومستشارا أمريكيا وتسيطر على مساحات واسعة من سوريا. والسؤال الأهم هو من سيقوم بتمويل عملية الإعمار خاصة أن الدول التي تملك المال وهي دول الخليج وأوروبا دعمت الطرف المعارض للأسد ولا تلعب دورا في التنافس الحالي.
وتشير الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين الروس عبروا عن قلقهم من تحديد الاستثمارات الإيرانية بالطريقة نفسها التي عبروا فيها عن مشاركة للدول الغربية. وقال مسؤول إن الأسد عادة ما يتصرف لدعم المصالح الإيرانية و”عندما يتعلق الأمر بعقود إعادة إعمار محتملة فمن المهم أن نعملها بطريقة تنفعه والناس حوله ولكن هذا يجب أن يكون بينه وبيننا بدون إيران”. ويقول دبلوماسيون في دمشق إن التوجهات الأولية غير مشجعة لإيران، فقد لاحظ مسؤول أثناء معرض تجاري في دمشق أن الشركات الإيرانية لم تحصل على الكثير مقارنة مع الشركات الصينية، وهي قوة ترغب سوريا بإغرائها. وتعتبر الفرص الاقتصادية مهمة لإيران كي تستيعد 6 مليارات دولار يقول المسؤولون إن سوريا مدينة لهم بها. وكذلك مهمة للقوة الناعمة التي ترغب إيران ببنائها على المدى البعيد في سوريا عبر التأثير والعلاقات الاقتصادية. ففي العراق مثلاً حصدت إيران ثمار استراتيجيتها فتأثيرها في العراق لا يتجاوز تأثير الولايات المتحدة فقط لكن التبادل التجاري ضرب أرقاماً قياسية. ففي عام 2008 كان حجم التجارة مع العراق بقيمة 2.3 مليار دولار إلا أنه وصل عام 2015 إلى 6.2 مليار دولار. ويقول رجل أعمال إيراني إن سوريا تحتاج إلى سنوات طويلة قبل أن تقف على قدميها بخلاف العراق الذي يملك الكثير من المصادر مشيراً إلى أن الأولوية بالنسبة لإيران تظل العراق حيث تتقدم على منافسيه فيه.
الحرس الثوري
ويرى أحمد مجيديار، الزميل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن أن هدف إيران في سوريا هو أن تكون الشريك التجاري الاكبر فيه. وأشار إلى نجاح طهران بفتح فروع لجامعة أزاد الإسلامية في العراق والمنطقة وتخطط لان تفتح فروعاً أخرى في المدن السورية. وبدأت الجامعة برامج صغيرة للتبادل بينها وبين جامعة حلب. ومهما يكن فالجهود الثقافية لا تعني شيئاً طالما تأخرت العلاقات الإقتصادية. ولا تملك الجمهورية الإسلامية الأموال الكافية لكي تبدأ مغامراتها التجارية الكبيرة. ويرى رجل أعمال إيراني أن ما حققته بلاده من مكاسب في سوريا لا يمكن استغلاله بدون استثمار. وهناك تردد من أصحاب الأعمال الخاصة الانضمام إلى فرص الاستثمار في سوريا لان الحكومة منحت القيادة للحرس الثوري والشركات المتعاونة معه لقيادة الجهود. وقال رجل الأعمال الإيراني إن “شركاتهم (الحرس الثوري) ليست مرنة وملوثة بتهمة الفساد بسبب غياب الشفافية. ولا تخضع للرقابة وعليه فلا تستمتع بإدارة جيدة”.
وأضاف رجل الاعمال أن على الحرس الثوري البدء بجذب شركاء تجاريين من الصين والدول العربية لكي يحصل على الأموال التي تريدها. وتقول الصحيفة إن بعض المشاكل هي خارج سيطرة الإيرانيين فالسوق السوداء في سوريا ازدهر وسط الفوضى وخلق شبكات تهريب وأمراء حرب مستعدين لحماية مصالحهم من أي جهة خارجية. ويقول رجال أعمال ودبلوماسيون في دمشق إن مسؤولي النظام والعاملين في الإدارات البيروقراطية حاولوا عرقلة الجهود الإيرانية وطلب أوراق إضافية ونقاشات أخرى. وقال دبلوماسي: “يشعرون بأن الإيرانيين يريدون التدخل في كل مكان، وعليه فالسوريون يحاولون جعلهم ينتظرون”.
وتشير الصحيفة إلى أن إيران رغم قوتها الإقليمية ليس لديها إلا القليل من الضغط لممارسته. وقال رجل أعمال سوري إن بلاده تبالغ من أهمية جهود إيران الإقليمية: “ماذا لدى الإيرانيين لكي يهددونا به؟ فقد تورطوا معنا والنظام يعرف هذا”.