
الجزائر- “القدس العربي”: نادراً ما يصنع روائي الحدث في الجزائر خارج “صالون الكتاب السنوي”، لكن محمد مولسهول، المدعو ياسمينة خضرا فعلها. فالرجل منذ قدومه، احتُفي به مثل نجوم الغناء أو لاعبي الكرة. حتى هو لم يصدق الجمهور الغفير الذي يلاحقه في كل لقاءاته وندواته، متتبعاً بشغف كل ما يقوله. وحول كلامه، يدور منذ أيام نقاش واسع على مواقع التواصل، بسبب ما اعتُبر لدى البعض “أنا متضخمة” يتحدث بها هذا الكاتب الذي لا يحبّذ كثيراً منطق التواضع في إبراز نجاحه العالمي.
منذ قدومه، احتُفي بياسمينة خضرا مثل نجوم الغناء أو لاعبي الكرة. حتى هو لم يصدق الجمهور الغفير الذي يلاحقه في كل لقاءاته وندواته، متتبعاً بشغف كل ما يقوله.
عندما استلم الكلمة في قاعة المكتبة الوطنية، المكتظة عن آخرها، غازلَ ياسمينة خضرا جمهوره بالقول إن الذي يقرأ هو ذلك الذي يحترم نفسه ويدلّلها. ثم انطلق متحدثاً عن تجربته في الكتابة وعالم الرواية، وآخر إنتاجاته رواية “الفضلاء” التي اختار من خلالها العودة إلى مسقط رأسه القنادسة، بولاية بشار في الجنوب الغربي للجزائر، ليروي فترة الحرب العالمية الثانية، وكيف عاشها الجزائري تحت ظروف الاستعمار والجوع والخوف. وتفاخر خضرا بأن أعماله الروائية المترجمة اليوم تجاوزت الخمسين لغة، حتى أن روايته الشهيرة “سنونوات كابول”، التي تناولت الأزمة الأفغانية، تجاوزت في المبيعات رواية الأفغاني خالد حسيني، التي تعرضت لنفس الأزمة، وفق ما قال.
وفي حواره مع الكاتبة زهية منصر على موقع الشروق، روى صاحب “فضل الليل على النهار”، مفارقة عشقه للغة العربية، وولعه بالمتنبي، وتفضيله الكتابة بالفرنسية، قائلاً إن أستاذ اللغة العربية عندما كان صغيراً كان يسخر من شعره ويقارنه بأحمد شوقي، بينما كان أستاذ الفرنسية يشجعه دائماً رغم أنه كان ضعيفاً في هذه اللغة.
وبدا خضرا حزينا لعدم وجود ارتباط بينه وبين القراء باللغة العربية، متهماً الصحافة المعربة بأنها لم تقدمه للقراء، وإذا تحدثت عنه تتناوله بصورة مشوّهة. وقال: “القارئ المعرب لا يعرف أن ياسمينة خضرا هو أكبر كاتب له صدى في العالم اليوم أكثر من نجيب محفوظ صاحب نوبل. الصحافة المعربة تتحدث عني كخبيث وعميل و”ولد فرنسا”. أنا أكبر كاتب على قيد الحياة في العالم إنتاجاً في جميع الفنون في المسرح والسينما والأوبرا والكوليغرافيا والشريط المرسوم والمسرح الإذاعي، وهذا لا يعرفه الجزائريون”.
ياسمينة خضرا: الصحافة المعربة تتحدث عني كخبيث وعميل وولد فرنسا.
وفي رد على سؤال حول إن كان يشعر بأنه مظلوم في الجزائر، ردّ الكاتب بنوع من الاستعلاء، قائلاً: “لا، لست مظلوماً، لكن لا يوجد تواصل بيني وبين الكتاب الجزائريين، لأني ربما كبير عليهم “بزاف” (كثيراً) وبعيد عليهم “بزاف”، وعوض أن يلحقوا بي اختاروا مقاطعتي. لكني مقتنع أن الجزائر حان لها أن تستعيد مكانتها عبر ثقافتها وتراثها والكتاب هم واجهة هذا البلد”.
وأثارت هذه التصريحات، وغيرها، الكثير من النقاش حول الكاتب، الذي كان ضابطاً في الجيش الجزائري في أحلك فترات مواجهة الجماعات الإرهابية، واشتهر سنة 2014 بإعلان ترشحه للرئاسة، كنوع من رفض الأمر الواقع كما قال بترشيح الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة. وانتقد البعض غياب مضمون فلسفي في روايات خضرا، وتفضيله الأسلوب والحكاية والتشويق على العمق في معالجة الظواهر التي يتناولها. وكان أكثر ما استفز في كلام خضرا قوله إنه هو “من فتح أبواب العالم للأدب الجزائري”، ورغم أن الكاتب حاول الاستدراك لاحقاً في ندوة بولاية تيزي وزو، عرفت حضوراً كبيراً، إلا أن تصريحه لم يتوقف عن إثارة الجدل.
وفي تعليقه، قال الروائي جلال حيدر إنه لا بأس بهذا الكلام إن كان سيحبب القراءة في هذا الكاتب الكبير. لكن ياسمينة خضرا، حسبه لم يكن أبداً “فاتحاً” بهذا المعنى، لأن العالم عرف وتعرّف على كتابات مولود فرعون وكاتب ياسين والطاهر وطّار وغيرهم، وآسيا جبار التي رشحت لنيل نوبل كم مرة.. كان العالم يعرفهم قبل أن يفكر في الكتابة أصلاً. عندما ترجمت “نجمة” إلى أكثر من 38 لغة لم يكن محمد مولسهول يهم بكتابة رواية. فأين الخلل؟ وأنا لا أظن أنه يجهل هؤلاء وأثرهم”.
من جهته كتب الروائي بشير مفتي، في نقد تصريحات خضرا، يقول: “لا أعتقد أن أي كاتب جزائري لا يفخر بالكاتب ياسمينة خضرا وما حققه من نجاح وتفوق باللغة الفرنسية، وملابسات نجاحه في فرنسا ترتبط بكونه كان يكتب باسم مستعار، لأنه كان ضابطاً عسكرياً ويكتب عن فترة الإرهاب روايات بوليسية شيقة قبل أن ينتقل للعيش بفرنسا، ويكشف عن نفسه، وكان ذلك بمثابة اكتشاف جديد يثير الفضول والرغبة في التعرّف عليه، وكلنا يعرف أن تلك الفترة التي لمع فيه نجمه كانت الجزائر حدثاً دولياً مهماً وكانت دور النشر تتهافت على الأعمال الجزائرية التي تكتب في هذا السياق والموضوع”.
وأضاف مفتي: “لقد عرف الكاتب كيف يتكيّف مع تحول الحدث من الجزائر إلى العراق، فكتب رواية عن صفارات بغداد وأخرى عن أفغانستان سنونوات كابل وأخرى عن معمر القذافي ..، حتى أنه أصبح كاتب الحدث بامتياز.. يمتلك خضرة قدرة رائعة على السرد والتشويق وبناء الحكايات والقصص، وهذا ما جعله كاتباً للجمهور الكبير، ومن عادة كتاب الجمهور الكبير أن لا تكون نظرة النقاد إليهم نظرة مطمئنة فهم يرونهم أقل درجة من الذين يبنون عالمهم خارج المناسبات والسياقات والأحداث.. لكن كون ياسمينة خضرة ينجح في السوق الروائية الغربية التي تعرف منافسة شرسة ومن دون رحمة بين مئات الكتاب في كل بلد أوربي، فما بالك بالغرب قاطبة، فهذه ميزة تحسب له وليس عليه”.
الروائي بشير مفتي: ملابسات نجاحه في فرنسا ترتبط بكونه كان يكتب باسم مستعار، لأنه كان ضابطاً عسكرياً ويكتب عن فترة الإرهاب روايات بوليسية شيقة قبل أن ينتقل للعيش بفرنسا، ويكشف عن نفسه، وكان ذلك بمثابة اكتشاف جديد يثير الفضول.
واستطرد الروائي يقول: “أما القول إنه أدخل الأدب الجزائري العالمية فهو كلام لا قيمة له، فالرواية الجزائرية، منذ “الحمار الذهبي” لأبوليوس وهي عالمية، دون ذكر الأسماء الهامة المؤسسة للرواية الجزائرية بالفرنسية أو العربية على السواء”.
من جهته، كتب الروائي الصاعد محمد كمون، مدافعاً، تدوينة بعنوان “لماذا ياسمينة خضرا أعظم كاتب جزائري في التاريخ بالنسبة لي؟”. وأجاب عن سؤاله: “ببساطة لأنه الكاتب الوحيد الذي تباع روايته بالملايين، وترجمت إلى 58 لغة، حولت إلى أفلام سينمائية وتلفزيونية، إلى كرتون ومسلسلات ومسرحيات، هو الكاتب الوحيد الذي يمكنه أن يملأ قاعات السينما والمسارح دون مساعدة أحد، ودون تدخل آله النظام وواسطات وزارة الثقافة، يستقبل من طرف الملوك والرؤساء السفراء والوزراء وجميع الفاعلين الثقافة العالمية”.
وأضاف صاحب رواية “الروشي”: “يبهرني نجاح ياسمينة خضرا لأنه يشبه نجاح الشاب خالد، أن تهاجر لأوروبا وترجع منها بطلاً يشهد لك العالم كله بالموهبة ويحترم ثقافتك ليس بالأمر الهين، تعرّض أكثر من مرة للهجوم، للتشكيك في وطنيته، للتشكيك في نصوصه، اتهم أنه ليس صاحب مؤلفاته بسبب خرجاته الإعلامية، كل هذا ليس له معنى أمام حضور الجمهور”.
وتابع كمون: “بعد تجربتي القصيرة في مجال الكتابة، وبعد تقرّبي من دور النشر، عرفت الحقيقة المرة، هناك كتاب يسمون بالكبار وهم لا يبيعون أكثر من مئة نسخة في السنة، دون ذكر الأسماء التي تريد أن تجعل من نفسها حراساً للمعبد، فتجدهم يلعقون أحذية المسؤولين طامعين في مساعدات مادية أو إشهار مجاني، دعوة للقاء أو مهرجان، الفارق بين خضرا والجميع هو الميدان، الميدان يا حميدان. محمد مولسهول انتصر على الجميع لأنه يكتب للقارئ وليس من أجل عيون سادة القوم أو في سبيل إرضاء النقاد، يكفي أنه زرع فينا الأمل وحقق لنا الحلم الذي كان يبدو مستحيلا”.