نبيل بو منصف
النهار
22062018
سيتعين على اللبنانيين ان يستعدوا لموجات التخويف والتطمين الشديدة التناقض والتباين حيال الاوضاع المالية والاقتصادية لان هذه المسألة المصيرية الجوهرية أدخلت بقوة في بازار التوظيف السياسي المفتوح بلا ضوابط. لا نعول بطبيعة الحال على روادع سياسية مسؤولة لدى معظم الذين سينجرفون في متاهة هذا التوظيف الأخطر لمشاعر الناس لدى تحريك المخاوف من الاهتزازات المالية واستقرار الليرة علما ان المرجعية المالية المتمثّلة بحاكم مصرف لبنان لا يكاد يمر يوم الا وتطلق التطمينات حيال الاستقرار المالي والقدرة على صموده. مع ذلك ترانا معنيين الآن بظاهرة مرشحة لان تكبر بتدرج وهي استعمال الوضع المالي الشديد الهشاشة لدفع الواقع السياسي في لبنان نحو الإغراق في التدهور والتراجع. والحال انه ليس أسوأ من توظيف التخويف من الانهيارات سوى ضياع هوية المضاربين والضاربين على هذا النوع من الاستباحات الحقيقية في ظل دولة باتت تفتقد بشكل خيالي ومفجع الى حس المسؤولية في حدودها الدنيا للدفاع عن حقوق الناس في مواجهة الاستباحات. يشاهد اللبنانيون ويعاينون بعد تلك المسماة انتخابات نيابية في ايار الماضي وفي المرحلة الانتقالية بين حكومة تصريف اعمال وحكومة قيد التشكيل ما لم يشهدوا مثيلا لها في حقبات الحروب لجهة الانكشافات المختلفة والمتعددة الأنواع والاشكال والطبائع. مع كل اشراقة شمس ثمة افتضاح لملفات متعاقبة بعضها يتصل بمعضلات قديمة وبعضها حديث جديد وطارئ. وفي كل يوم تترسخ حقيقة مفزعة هي انعدام وجود مرجعية الدولة الواحدة اقله لجهة تنوير الناس وتوفير الحقائق المجردة بعيدا من التوظيف والكذب والمناورات والإستباحات بل ان الدولة تبدو الكيان الاشد افتقادا لمن يطمئنها ! تقف كل الامور عند بلوغ الخط الاحمر الذي يشكله الاستقرار المالي والكلام عليه بكل ما ينطوي عليه بعض ما يسمعه الناس من موجات تكبير او تضخيم او تهوين وتقليل. قد يجوز القفز فوق اي موجات مماثلة متصلة بشؤون سياسية وأمنية واجتماعية وسواها، ولكن الامر هنا يشكل مقتلا حقيقيا لا يفيد الكلام معه على متانة الواقع المالي وحصانة المؤسسات القادرة على الدفاع والصمود لان كل ذلك قد يصبح هباء منثورا في لحظة اذا مضى التوظيف السياسي الخبيث المتعمد في الضرب على الخاصرة الاشد رخاوة في الواقع اللبناني. سياسة طمر الرؤوس في الرمال هذه لن تؤدي في خواتيمها الا الى خدمة المتربصين بانهيارات لبنانية لاهداف مكشوفة او ضمنية ولا فرق عندها من سيظل يضحك عند ركام الانهيارات. ولعلنا لن نجد حاجة الى التنبيه بان لا لون سياسيا داخليا واقليميا للانهيار متى حصل سواء اعتبر اثباتا لفشل محور الممانعة بعد سيطرته على الاكثرية النيابية والسياسية او نتيجة لغياب المظلة التي كان يوفرها محور 14 آذار الراحل. ولذا ترانا نسأل : هل تدققون جيدا في أي خفة او تورط او استباحة او تواطؤ لئلا يغدو طابخ السم آكله فعلا وبكل المعايير القاتلة والانتحارية ؟ لعل الأجيال التي عاشت حقبات الانهيارات في الحرب وبعدها وعند مطالع التسعينات تخبركم عما نعنيه.
nabil.boumounsef@annahar.com.lb