نبيل بومنصف
النهار
28022018
يتنبأ خبراء “حقيقيون” في الاستطلاعات والإحصاءات والدراسات الانتخابية بأن ترتفع الرشوة الانتخابية الى سقوف ومستويات قياسية غير مسبوقة عشية موعد الانتخابات النيابية في 6 ايار وفي يوم الانتخابات نفسه، اي أكثر من أي دورة انتخابية سابقة. يعزو هؤلاء هذه الطفرة الكبرى المتوقعة الى عامل عضوي وجوهري يتصل بالتنافس البديهي على الصوت التفضيلي الذي سيبدل مع النظام النسبي قواعد اللعبة الانتخابية فيقتحم دواخل الأحزاب والقوى السياسية والطائفية اولا ويغدو الصراع المستميت على الصوت التفضيلي من داخل البيئة الموالية اولا قبل ان يتمدد تباعا نحو اللائحة كلا لتبدأ المقارعة حينذاك مع اللوائح المتنافسة. على وجاهة هذا العامل انطلاقا من الحسابات الانتخابية الصرفة ثمة ما لا حاجة بنا الى خبراء لندركه وهو ان استفحالا مرجحا، بل ربما يكون مثبتا من الآن، لعامل الرشوة وشراء الاصوات سيكون امرا اكثر من بديهي مع بلد بات يحمل قصب السبق بين دول العالم الثالث او في عالم الدول الفاشلة في مضماري الفساد والمديونية. لم يعد اللبنانيون يتوقفون ولو لوهلة امام الانهيار المطرد والمتواصل لصورة الدولة اللبنانية في المقاييس العالمية للفساد من جهة والصعود الناري المرعب لأرقام المديونية التي باتت ترقى الى نحو 80 مليار دولار وفق التقديرات الرسمية اللبنانية نفسها. ماذا ترانا وتراكم تظنون بشعب معظمه بات ينتسب الى الفقر او ما الى دون حافة الفقر واندثرت فيه تقريبا الطبقة الوسطى التي تشكل علميا واجتماعيا وواقعيا صمّام أمان الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والتطور الثابت لكل المجتمعات ؟ لعلهم ظنوا ان التبشير الكاذب بفضائل قانون انتخاب جديد سيمكن الدولة التي فقدت كل أثر لصدقيتها داخليا وخارجيا من ان تعوم مجددا على إنجاز إجراء انتخابات تأخرت عن موعدها اكثر من دورة كاملة بفعل التمديد فاذا بالقانون نفسه لا يضيف الى الصورة المهشمة للطبقة القائمة على ادارة الدولة سوى مزيد من المهازل الوافدة. سيكون مشهدا ساخرا من مشاهد العالم الثالث إياه الذي يرزح تحت الفقر والفساد والطبقات السياسية الفاشلة حين يعرف القاصي والداني بان تسعير الاصوات بدأ من الان وبأن حجز رزم الاصوات التفضيلية يجري من الآن وان بورصة الشراء والبيع ستشمل ولعلها بدأت ايضا من الآن العائلات واكلاف الاقساط المدرسية بالجملة والمفرق وان سوقا كهذه التي تمتهن كرامة الناس وتحقرهم وتجعلهم اشبه بتعداد الرؤوس والارقام قد تتحول أسوأ كوابيس هذه المسماة انتخابات وسط صعود خيالي لهاجس الفساد كسمة معممة للطبقة السياسية. ولعلنا نغامر جدا من الآن ان توهمنا الرهان على محاسبات قاطعة وجازمة وحاسمة تمنع مد الفساد وتمددّه الى الانتخابات وتقطع دابر الرشوة وشراء الاصوات لان ليس في واقع لبنان الحالي ولا في تجاربه والسوابق ما يحفز على اي مسار ثوري تصحيحي لمفهوم ناخب إصلاحي اولا قبل ان ينتخب تاليا نائبا إصلاحيا نظيفا. هي دورة عقم يتواطأ فيها الكل مع الكل. عسانا نكون واهمين عبثيين لمرة!