راجح الخوري
النهار
28072018
ما هذا الإنجاز التاريخي الرائع الذي فاجأتنا اللجان النيابية المشتركة بالتوصل اليه، وزفته خبراً هائلاً غير مسبوق في الديموقراطيات البرلمانية لا في الشرق ولا في الغرب، الى درجة تدفعنا الى الإعتقاد أنه بات علينا الآن، نحن الشعب اللبناني المتعوس، ان نركع شاكرين ونصلّي ونحرق البخور ونرفع النذور، لكي يطيل الله أعمار أسيادنا المحترمين والمبجّلين، هؤلاء النواب الكرام والميامين والمقدامين والأبطال، الذين تجاسروا وأقروا قانوناً في مستوى الإبداع الإعجازي، ثم خرجوا منتفخي الأوداج ليزفّوا إلينا الخبر السعيد!
لست أدري ان كانت لجنة جائزة نوبل للإبداع، قد تنبّهت الى ما توصّل إليه هؤلاء الأشاوس أحفاد مخترعي الحرف، عندما أقروا، وفّقهم الله وحفظ لهم أمكنة تليق بهم في جنّاته يوم يصعدون الى السماء بعد أعمار طوال، ذلك القانون الهائل المسمّى “حماية كاشفي الفساد”.
ما هذا الإنجاز، بإعتبار ان كشف الفساد والفاسدين جريمة يعاقب عليها القانون، وتسحب الذين يتورطون في إرتكابها، الى بيت خالتهم إذا كانوا من المحظوظين، أو الى من يشتم أصلهم وفصلهم وطولهم وعرضهم ثم يوسعهم ضرباً مبرحاً، إن لم تنزل فيهم السكاكين والعصي والمسدسات!
لن أتحدث عن الأبداع الآخر الذي بشّرونا به وكأنه نزول نيابي على المريخ، وهو المتعلّق بموضوع النفايات التي يغرق فيها لبنان والتي جعلته في نظر الأوروبيين مزبلة المتوسط، فسيأتي الوقت للحديث عن هذا، إن لم نختنق من الروائح العطرة، لكن موضوع حماية كاشفي الفساد، يستلزم إستطراداً إقرار سلسلة من القوانين والسجون والمشانق لمعاقبة الفاسدين، الذين سيتم إكتشافهم وهو ليسوا أصلاً في حاجة الى كشّافين، لأن الشمس طالعة والناس قاشعة كما قلنا، لكن على أمل ان تقشع الدولة العظيمة!
قبل أشهر أرسلت مجلة “لوبسرفاتور” الفرنسية خمسة من محرريها الى لبنان ونشرت تحقيقاً بالوقائع والوثائق عن الفساد الذي أوقعنا في دين يتجاوز ٨٠ مليار دولار، وقالت ان معظم العاملين في الحقل السياسي حققوا ثروات بالمليارات، لافتة الى أنه لم يعرف لبنان، على رغم هذا، بناء معمل للكهرباء أو سد للمياه أو أوتوستراد، وأورد التحقيق بالارقام ما يدين شخصيات عامة بالفساد المتوحش!
لهذا أقول للسادة النواب: هلّقنيي عم تحكونا عن ليسترين، نحن يا سندي لا نقرأ الفرنسية، لكننا نسألكم مَن يحمي مَن مِمّن؟
rajeh.khoury@annahar.com.lb
Twitter:@khouryrajeh