- هنري لورانس صاحب “مسألة فلسطين”:
- لا سايكس بيكو جديدة والبديل مناطق مستقلة داخل حدود الدولة الواحدة
- ثورات الربيع العربي أثرت سلبا على القضية الفلسطينية
- قطر تدعم غزة فقط والضفة تحصل على أقل مساعدات
- ومصر رفضت إدارة قطاع غزة في أكثر من مناسبة
- داعش ليس ظاهرة عربية
أكد المؤرخ الفرنسي هنري لورانس أن المسألة الفلسطينية لم تكن وليدة اليوم بل هي مطروحة منذ فجر القرن التاسع عشر، ولا تزال مطروحة إلي يومنا هذا، وأنها لا تخص فلسطين وحدها بل تتجاوز حدودها إلى عالم أوسع منها، وما يشهد على ذلك، أنها أصبحت مسألة مصرية – في وقت من الأوقات – وكانت على جانب كبير من الأهمية للقاهرة منذ حرب عام 1948 وصاغت إلى حد بعيد تاريخ مصر في الشطر الثاني من القرن الماضي، ولا تزال محورية في صياغة هذا التاريخ إلى الآن على الرغم من دخول العديد من اللاعبين الجدد بخلاف مصر.
وقال لورانس، في حواره مع “صدى البلد”، الذي أُجُري في القاهرة على هامش حفل توقيع النسخة العربية من موسوعته “مسألة فلسطين”، إن القضية الفلسطينية تنعكس على الكثير من الأوضاع الحالية، وسبب كثير من الصعوبات التي تواجهها المنطقة، ولهذا تحتل فلسطين في حياتنا أهمية ودورا رئيسيا، وأن ذلك ما دفعه للكتابة في هذا الموضوع، حيث خصص لفلسطين نتاجا بأكمله يتألف من خمسة أجزاء لكل منها عنوان مستقل، لكن هذه الأجزاء جاءت تحت عنوان جامع أطلق عليه “مسألة فلسطين”.
وأضاف أن موسوعته تبقى حصيلة إنجاز تطلب 20 عاما من العمل والبحث في الوثائق والأرشيفات.
فلسطين المقدس والقدسي
وقال المؤرخ الفرنسي إن المرجعية التاريخية لفلسطين هي أيضا مرجعية المقدس والقدسي لديانات التوحيد الثلاث، مشيرا إلى أن ما أسماه “مسألة فلسطين” كانت الغاية منه معرفة كيف أن قطاعا جغرافيا صغيرا، يمكن مقارنته بإقليم فرنسي صغير، يفتقر لأي موارد اقتصادية.
وعن ثورات الربيع العربي، أكد المؤرخ الفرنسي أنها أثرت بالسلب على القضية الفلسطينية وأدت إلى تراجعها في اهتمامات الأجندة الدولية خاصة بعد ما حدث في سوريا وما يحدث في العراق وليبيا كأحداث أكثر أهمية على الرغم من أهمية القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن حل القضية سيساعد كثيرا في استقرار الشرق الأوسط.
ورأى لورانس أن الحلول السياسية للقضية الفلسطينية يمكن أن تأتي فقط من خلال الفعل الدولي بالضغط على إسرائيل وهناك العديد من الدول التي تقوم بذلك الآن، مضيفا أن إسرائيل لن تسمح بقيام “دولة فلسطينية” مستقلة لأن العرب لا يقومون بما يجب أن يقوموا به من دور، حيث لاتزال مساهماتهم لاتذكر في البحث عن حلول فعلية للقضية ولا يقومون بدور كبير في سبيل الحل، والأمر ازداد سوءا في ظل الأوضاع الحالية في سوريا والعراق وملايين اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا.
وأوضح أن الفلسطينيين يقولون أن العرب يحبون فلسطين ولا يحبون الفلسطينيين، وأنه توصل لهذه المقولة من خلال الفلسطينيين أنفسهم بعد أن درس أوضاع الفلسطينيين في لبنان ووضعهم في سوريا قبل 2011 وأنه نقل هذه الصورة في كتبه.
مصرية القضية وقطريتها
وشدد على أن المسألة الفلسطينية لم تعد مسألة مصرية خالصة بعد أن دخلت أطراف أخرى على الخط مثل قطر وتركيا وإيران والعراق وسوريا في السابق، وبعد أن رفضت مصر إدارة قطاع غزة في أكثر من مناسبة، كما أن القاهرة الآن لديها مشاكل مع حماس.
وقال إن مصر بالفعل كانت لاعب مهم في القضية الفلسطينية ولكنها الآن تأتي في المرتبة الثانية والعامل الأهم لمصر الآن هو قطاع غزة كما أن العامل الأهم في لبنان هو وجود العديد من اللاجئين الفلسطينيين داخله ومع بداية الثورة السورية مات العديد من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وانشغل النظام بحربه.
وعن دخول قطر كراع للقضية، أكد هنري أن الوضع الفلسطيني معقد والتحالفات عندما تتم يجري الدفاع عنها بشكل أو بآخر من قبل الفلسطينيين أنفسهم، حيث إن قطر تساهم في تيسير الوضع الاقتصادي لقطاع غزة فقط، كما أن قيادات حماس يقيمون في قطر في حين أن الضفة تحصل على أقل مساعدات مالية.
فدرلة الشرق الأوسط
وحول أهمية الشرق الأوسط، أكد المؤرخ الفرنسي أن الشرق الأوسط لم تتغير حدوده الجغرافية ولا يزال موجودا في أفريقيا وآسيا، ولايزال للمنطقة أهميتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وهو يحتل ضفافا مهمة للبحر المتوسط، وطرق ومواصلات بحرية وبرية مهمة، إضافة إلى ما يتمتع به من ثروات بترولية أساسًا، وحضارات مكانية مترامية الأطراف، “كما أن إشكالية الإرهاب وزيادة بزوغ الحركات الإرهابية في أوروبا القادمة من الشرق الأوسط وملايين اللاجئين الذين يهاجرون إلى أوروبا بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية سواء كانوا قادمين من العالم العربي أو من أفريقيا ويعبرون العالم العربي زادت من أهمية الرغبة الأوروبية في إيجاد حلول لمشاكله، و”في كل الأحوال العالم العربي والشرق الأوسط هما الأقرب لأوروبا وروسيا”.
وشكك لورانس في حواره مع “صدى البلد” في أن تكون هناك اتفاقية سايكس بيكو جديدة، “فالحدود الموروثة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد الاتفاق على تقسيم تركة الامبراطورية العثمانية- بين البريطانيين والفرنسيين وروسيا- بقيت كما هي على الخريطة ومنذ أكثر من قرن، ولكنه أشار إلى أن التغير الوحيد الذي سيطرأ هو إحداث عملية “لا مركزية” في الداخل، فعلى سبيل المثال ما يتم الآن من مناقشات حول الأزمة السورية من سعي روسي للترويج لفكرة محافظات مستقلة داخل سوريا، قائلا: “ولكن في النهاية، فالحدود السورية ستبقى كما هي ونفس الشيء بالنسبة للعراق هناك فكرة “استقلال” المحافظات تحت النظام الفيدرالي.
داعش ليس عربيا وثورة الخميني سر الطائفية
ونفى لورانس أن يكون “داعش” ظاهرة عربية، مؤكدا أن هناك العديد من الفرنسيين أنفسهم داخل داعش، كما أن التنظيم يوظف الكثير من الأوروبيين في صفوفه.
وقال إن انسياق المجتمعات نحو عنف مستدام أداته “داعش” يبرهن عن أننا أمام أيديولوجية محكمة تقوم على غسل الأدمغة، حيث يجند التنظيم أشخاصا يتوجهون يوميا إلى عملهم وبشكل عادي إلى أن ينقضوا على فريستهم.
وعن وجهة نظره في إن كانت نزعة الطائفية الدينية التي تشيع في منطقتنا قد تم زرعها حديثا أكد لورانس أن مصطلح الشيعة والسنة ظاهرة جديدة في المنطقة ظهرت مع ثورة الخميني في إيران عام 1979 وقبلها كان يتم الخلط بين الشيعة والشيوعيون في إيران وفي العراق، ولكنها الآن مرتبطة بشكل كبير بسياسة إيران في المنطقة.
وأوضح أنه حتى عام 1979 لم تكن قضية المذهب مطروحة فيما يخص علاقات إيران بدول المنطقة، سواء السنية منها أو الشيعية، ولم يكن هناك اختلاف بين القوميات، سواء الكردية منها أو البلوشية أو العربية. وقال: “للأسف، لقد وصل الأمر إلى مرحلة نشاهد فيها مواجهات بين السنة والشيعة، وهو أمر كان من المستحيل حدوثه في الماضي”.
بروفايل.. هنري لورانس
هنري لورانس مؤرخ فرنسي متخصص في التاريخ الحديث والمعاصر للعالم العربي، ولد عام 1954، حاصل على دكتوراة الدولة وإجازة بتدريس التاريخ، يعد من كبار مُتخصصي دراسات الشرق الأوسط.
أستاذ كرسي تاريخ العالم العربي المُعاصر بالأكاديمية الفرنسية (كولاج دو فرانس)، وهو الموقع الذي سبق أن شغله باحثون فرنسيون مرموقون، أهمهم جاك بيرك، وهو متزوج من الكاتبة اللبنانية الفرنسية مها بعقليني، التي سبق لها أن ترجمت إلى الفرنسية عمل نجيب محفوظ “ليالي ألف ليلة”، وأستاذ بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية (INALCO)، كما شغل عدة مناصب منها مدير مركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط المُعاصر ببيروت (CERMOC) ومدير علمي بالمعهد الفرنسي للشرق الأدنى (IFPO)، بالإضافة إلى عضويته بالمجلس العلمي والمجلس الإداري بالمعهد الفرنسي للدراسات الشرقية بالقاهرة من 1992 وحتى 1995.
حصل عام 2004 على جائزة جوزيف دو تيل من أكاديمية العلوم الأخلاقية والإنسانية وجائزة الصداقة الفرنسية العربية من مؤسسة التضامن الفرنسية-العربية.
عمل أيضا هنري لورانس أستاذا للتاريخ بجامعة السوربون، وكان إلى وقت غير بعيد مشرفا بالمعهد القومي للبحث العلمي بباريس.
تعلم اللغة العربية لإكمال دراسته العليا، ومَكّنَه ذلك من البحث التاريخي عن طبيعة العلاقات بين الشرق والغرب، فهو يدرس تاريخ المنطقة العربية، جاعلًا من حملة نابليون بونابرت نقطة فاصلة، لكنه لا يكتفي بدراسة الحملة ذاتها، إنما يعود إلى الوراء قرنًا من الزمان ويتقدم بعدها إلى الأمام قرنين، حتى يصل إلى وقتنا الراهن، وهكذا يعطي صورة شاملة عن أوضاع العالم العربي على مدار القرون الثلاثة المنصرمة، وهي القرون التي بدأنا فيها التعرف على حداثة الغرب، وهو يسعى أيضًا من خلال بحثه في الأعوام الأولى لنشأة هذه العلاقات؛ في القرنين الـ17 والـ 18 لإدراك الدوافع والأهداف التي حملت الفرنسيين إلى التطلع نحو الشرق.
وهو صاحب العديد من المؤلفات التي ركزت على مختلف أشكال اندماج المنطقة العربية في العالم الحديث.
وتعد موسوعته “مسألة فلسطين” تسجيلا توثيقيا دقيقا لمختلف مراحل تطور الصراع على فلسطين منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى الآن، وهو ما لا نجده في أي عمل آخر بأي لغة، وقد اعتمد لورانس على وفره من الوثائق التي لم يسبق الاعتماد عليها، كما أن الرجل قام بتركيب نقدي لمعظم الأدبيات الصادرة حول الموضوع، وهو مجهود لم يسبقه إليه أحد من المؤرخين من قبل.
كرس هنري لورانس كثير من اهتمامه لدراسة العلاقات بين إسرائيل والوطن العربي على المدى الطويل، وموسوعته «مسألة فلسطين»؛ ليست وصفًا تاريخيًا فحسب، بل هي توثيق لمختلف مراحل تطور الصراع على هذا البلد، معتمدًا على وثائق لم تسبق الاستعانة بها، ولا شك في أن الهدف من هذا العمل الضخم يتمثل في المساعدة على إيجاد حل لمسألة فلسطين، يبدو من وجهة نظر لورنس بعيد المنال؛ نظرًا إلى موازين القوى في العالم.
وقام بتأليف العديد من المؤلفات منها:
– المسألة الفلسطينية، من خمسة مجلدات صادر عن دار نشر فايار (Fayard)، عام (1999/2002/2007/2011/2015).
– الشرق العربي في عهد الهيمنة الأمريكية صادر عن دار نشر أرمن كولين (Armand Colin)، عام 2004.
– شرقيات، من ثلاثة مجلدات صادر عن CNRS، عام 2004.
– تاريخ العالم العربي المُعاصر صادر عن دار نشر فايار (Fayard)، عام 2004.
– السلام والحرب بالشرق الأوسط: الشرق العربي والعالم منذ 1945 وحتى الآن، صادر عن دار نشر أرمن كولين (Armand Colin)، عام 2005.