اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / هل يُفجِّر انسحاب أميركا أفغانستان وجوارها القريب والأبعد؟

هل يُفجِّر انسحاب أميركا أفغانستان وجوارها القريب والأبعد؟

28-07-2021 | 00:00 المصدر: النهار

سركيس نعوم

هل يُفجِّر انسحاب أميركا أفغانستان وجوارها القريب والأبعد؟

في الحادي عشر من شهر أيلول المقبل يُفترض أن تكون #القوّات العسكريّة الأميركيّة وقوّات #حلف شمال الأطلسي العاملة معها قد أتمّت #انسحابها من دولة #أفغانستان تنفيذاً للقرار الذي اتّخذه رئيس الولايات المتّحدة جو بايدن بعد تسلّمه سلطاته الدستوريّة. وربّما يكون انسحب حتّى الآن نصف عدد القوّات المذكورة. علماً أنّ عدداً من التقارير التي حصل عليها مركز أبحاث أميركي جدّي معروف بقدرته على الوصول إلى مصادر المعلومات يُرجِّح أن يكون آخر أسبوع من تموز الجاري موعداً للانسحاب التام. ولم ينتظر مُقاتلو “حركة طالبان” اكتمال الانسحاب كي يستأنفوا عمليّاتهم القتاليّة ضدّ قوّات النظام الأفغاني الذي رَعَت أميركا قيامه منذ إطاحتها النظام الطالباني في أفغانستان بعد إرهاب 11 أيلول 2001. إذ فور إخلاء قوّاتها قاعدة “باغرام” العسكريّة بادرت قوّات “طالبان” إلى شنِّ هجمات عدّة على القوّات الرسميّة ولا سيّما في المناطق التي تتولّى حماية أمنها وحدها أي من دون مشاركة عسكريّة غربيّة. ونجحت في الاستيلاء على عدد من المناطق التي قدِّر عددها بنحو 157 مقاطعة من أصل 421 وهو العدد الرسمي للمقاطعات كلّها في البلاد. ما هي أسباب خسارة القوّات الأمنيّة والعسكريّة الأفغانيّة للمناطق التي كانت تُسيطر عليها؟ تعزو معلومات المركز البحثي المذكور ذلك إلى الإخفاقات اللوجستيّة والسياسيّة للقيادة الأفغانية. إذ أنّ قوّاتها العسكريّة والأمنيّة تعتمد وعلى نحوٍ كبير جدّاً على مساعدات أميركيّة لم تعد متوافرة أو بدأت تخفُّ كثيراً مذ بدأ الانسحاب، وستختفي فور اكتماله. وأبرزها المتعاقدون المُموّلون من أميركا الذين كانت مُهمّتهم تصليح أسطول الطيران الأفغاني وتوفير الصيانة له ومعه العربات المُدرّعة وتجهيزات عسكريّة أخرى. ذلك أنّ هؤلاء سيغادرون أفغانستان باعتبارهم جزءاً من الانسحاب الأميركي منها، وسيتركون القوّات الأفغانية عاجزة عن صيانة “دزّينات” عدّة من الطائرات المُقاتلة وطائرات الشحن والطوّافات الأميركيّة الصنع والطائرات المُسيَّرة. من شأن ذلك شلّ الطيران الأفغاني الذي كان له دورٌ فاعل ومهم في دعم العمليّات العسكريّة البريّة للجيش، وذلك نظراً إلى عدم امتلاك مُقاتلي “طالبان” سلاحاً جويّاً ودفاعات جويّة. ومن شأنه أيضاً خفض معنويات القوّات الأفغانيّة وقادتها العسكريّين والسياسيّين ودفع بعضها إلى الفرار وترك القواعد العسكريّة واستسلام بعضها إلى “طالبان” ولجوء بعضها الآخر إلى مقاطعات ومدن لا تزال تحت سيطرة الدولة وقوّاتها. كيف سيؤثِّر الوضع الموصوف أعلاه على الوضع في أفغانستان؟ تُجيب تقارير مركز الأبحاث الأميركي الجدّي نفسه بالقول أنّ حال الضعف التي بدأت في الاستشراء داخل المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة والرسميّة الأفغانيّة يُحتمل أن تدفع وبقوّة في اتّجاه حربٍ أهليّة فوضويّة خلال أقلّ من ستّة أشهر بعد اكتمال انسحاب أميركا عسكريّاً والقوّات الأجنبيّة الأخرى من أفغانستان. طبعاً أطلقت الحكومة الأفغانية أخيراً حملة تعبئة وطنيّة في محاولة منها للتغلُّب على عجزها عن تنسيق ردٍّ عسكريٍّ قويٍّ ومُحكم في كابول ومنها على تمدُّد مقاتلي “طالبان”. لكنَّ الحملة لن تكون ناجحة لأنَّ العمليّات العسكريّة لهؤلاء مُهَيْكَلَة على نحو جيّد الأمر الذي سيجعلها قادرة على إلحاق الهزيمة بالميليشيات المحليّة المُعادية لها والمُحرّكة من الحكومة أو من زعامات أفغانيّة عشائريّة وإتنيّة مختلفة عدّة. علماً أنّ لا ضمان وبسبب توافر الأسلحة أن تتخلّى الميليشيات عن مُقاتلة “طالبان” وأن لا تستأنف حرباً أو حروباً في ما بينها كانت بدأت بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان واستمرّت حتّى غزو الولايات المتّحدة لها عام 2001. علماً أيضاً أنّها أساساً على اتّصال وثيق بالحكومة الأفغانيّة لكنّ تركيبتها غير مُتجانسة بسبب الانتماءات العرقيّة والطائفيّة والمذهبيّة المتنوّعة. من شأن ذلك إحياء “أمراء الحرب” أو خلفائهم في المناطق الأفغانيّة المتنوّعة الذين استمرَّ دورهم في أثناء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان. وكان دورهم مساعدة الحكومة في محاربة “طالبان” في شمال البلاد وفي الوقت نفسه قضم سلطة الدولة الرسميّة في تلك المناطق. لهذا فإنّ الشمال قد يُصبح ساحة قتال بين “طالبان” والمجموعات الأفغانيّة غير البشتونيّة مثل الطاجيك والأوزبك. ولا بُدّ أن يزيد ذلك من زعزعة الاستقرار في البلاد، وربّما يقود إلى هجرات وتهجير كما إلى أزمات مُهجّرين في دول آسيا الوسطى. أمّا جنوب أفغانستان حيث الغالبيّة بشتونيّة فإنّه قد يُصبح قاعدة لـ”تنظيم القاعدة” ومُقاتلي “الدولة الإسلاميّة”. إذ أنّه يُؤمّن لهم حريّة العمل والتخطيط لعمليّات عسكريّة وحريّة التجنيد والتدريب. ماذا سيكون أثر التطوّرات المذكورة بعد الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان؟ يُجيب مركز الأبحاث الأميركي الجدّي نفسه يمكن لأفغانستان المُتفجّرة أن تُهدِّد أمن الدول المُجاورة لها بتوفير أرض خصبة لتدريب المجموعات الإقليميّة ومُقاتليها كثيرين. وقد تسبَّبت صدامات عنيفة بين “طالبان” وقوّات الأمن الأفغانيّة بسقوط آلاف الإصابات والضحايا المدنيّة وبتهجير داخليّ من الأرياف إلى مناطق مدينيّة محميّة حتّى الآن. لكن بعد اكتمال الانسحاب الأميركي لا بُدّ أن يزداد عدد المناطق الأفغانيّة التي ستسقط في أيدي “طالبان”. سيُطلق ذلك أزمة إنسانيّة يصعب احتواؤها أو معالجتها جرّاء مناخ العنف المُتصاعد. كما سيفتح الباب أمام نشوء قواعد عسكريّة متنوِّعة غير نظاميّة طبعاً في الداخل الأفغاني ومن شأن ذلك تهديد استقرار المنطقة كلّها. وربّما يُحفّز ذلك منظّمات إرهابيّة على تهديد أمن منطقة جنوب آسيا ووسطها. فضلاً عن أنّه يُوفِّر قاعدة آمنة لـ”القاعدة” و”داعش” للتخطيط بهدوء لعمليّات ضدّ الغرب عموماً وأميركا خصوصاً. في هذا المجال تُفيد معلومات المركز البحثيّ نفسه أنّ “طالبان باكستان” وهي بشتونيّة أيضاً وتعمل من منطقة حدوديّة مع أفغانستان قد تبدأ شنَّ عمليّات عسكريّة ضدّ باكستان. ومن شأن ذلك دفع الأخيرة إلى التدخُّل أكثر في أفغانستان. وتُفيد أيضاً أنّ مجموعة “جيش محمد” الإرهابيّة الناشطة ضدّ الهند وكذلك مجموعة “لشقر طيبة” سيتوافر لهما عمقٌ استراتيجيٌّ لتنفيذ هجماتهما وذلك نظراً إلى علاقتهما الجيّدة مع “طالبان”. قد يدفع ذلك الهند إلى التدخُّل ضدَّ المجموعتين وغيرهما في باكستان وأفغانستان أيضاً. فضلاً عن أنّ “القاعدة” قد تنبت من جديد في أفغانستان بعد تفوُّق “طالبان” على قوّات أمن الأخيرة. ولا يستبعد أحد عودة الدولة الإسلاميّة الى هذه البلاد. هذه التطوّرات كلّها تعرف أميركا أنّها ستحدث في أفغانستان وجوارها بعد انسحابها منها. فهل تقصّدت الانسحاب للإفادة من ذلك كلِّه في سياساتها جنوب آسيا ووسطها امتداداً حتّى الصين؟ أم أنّها لم تعُد قادرة على البقاء وصارت عندها أولويّات أخرى؟ المستقبل وحده سيكشف ذلك.