اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / هل يعود الحريري إلى “السرايا” وهل يعتذر دياب؟

هل يعود الحريري إلى “السرايا” وهل يعتذر دياب؟

كشف “الموقف الحكومي” الذي أعلنه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في لقاء الأربعاء النيابي بواسطة النائب علي بزّي ثلاثة أمور مُهمّة. الأوّل أنّه لم يكن الشخص الذي أخذ بيد الدكتور حسّان دياب وساعده كي يحصل على تكليف رئيس الجمهوريّة ميشال عون إيّاه تأليف الحكومة الجديدة بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري. وكانت خبريّة من هذا النوع سرت في الأوساط السياسيّة اللبنانيّة استند مُروِّجوها إلى علاقة قامت بين الإثنين يوم كان دياب وزيراً للتربية بين عامي 2011 و2014، وتحديداً إلى تعيين الأخير مستشاراً له في الوزارة ينتمي إلى “أمل” أو قريباً من رئيسها. علماً أنّ وزراء في الحقائب الخدماتيّة اعتادوا ومنذ انتهاء الحروب في لبنان تعيين مُستشارين لهم من القوى السياسيّة – الحزبيّة النافذة بغية تأمين خدمات ناخبيها. طبعاً لا يزال سياسيّون ومواطنون عاديّون يتساءلون عن الجهة التي زكَّت وصول دياب إلى أوّل مرحلة يؤهِّله اجتيازها إلى دخول نادي رؤساء الحكومات. ولا يزالون يتداولون روايات عدّة مختلفة عن هذا الأمر تشير إحداها إلى دورٍ ما في ذلك قام به النائب الحالي والمدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيّد الذي كان يعرفه أو على علاقة ما معه قبل انتقاله من الاحتراف الأمني إلى الاحتراف السياسي. طبعاً اتّصل “الموقف هذا النهار” بالنائب السيّد لاستيضاحه عن هذا الموضوع، فكان جوابه أنّه غير صحيح، وإنّه التقى دياب مرّة قبل سنتين. والأمر الثاني الذي كشفه برّي عبر النائب بزّي أنّه مع تشكيل “حكومة لمّ الشمل” لخلافة “حكومة إلى العمل”. وذلك يعني إقتراح التخلّي عن حكومة التكنوقراط أو الاختصاصيّين “المُستقلّين” وغير المُستقلّين في آن وتأليف حكومة وحدة وطنيّة جامعة كل الأطراف اللبنانيّين مهمّتها إنقاذ لبنان ليس فقط من انهياره الاقتصادي – المالي – النقدي – المصرفي – المعيشي ومن انزلاقه نحو العنف والفوضى والتشرذم الواسع، بل أيضاً من انعكاسات الوضع الإقليمي الخطير جدّاً بعد قتل أميركا ترامب “البطل” القومي الإيراني الحاج قاسم سليماني بطائرة مُسيَّرة، الذي يمكن اعتباره أوّل خطوة على طريق تحوّل الحرب بالوكالة بين واشنطن وطهران في الشرق الأوسط حرباً مباشرة. علماً أن الدولتَيْن أكّدتا غير مرّة من زمان ولا سيّما بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض ثمّ سحبه بلاده من “الاتفاق النووي” المعروف أن لا نيّة عندهما في حرب مباشرة وأنّهما ستعملان جاهدتَيْن لتلافيها. أمّا الأمر الثالث والأخير فهو أن برّي مع عودة الرئيس سعد الحريري عن رفضه تأليف حكومة جديدة تخلف حكومته المُستقيلة واشتراكه معه ومع “حزب الله” ومع رئيس الدولة و”التيّار الوطني الحر” كما كل الأحزاب في البلاد في وضع أُسُس تشكيلة حكوميّة خلال وقت قصير وإصدار مراسيمها ونيلها الثقة وبدئها العمل أوّلاً لخفض التوتّرات الطائفيّة والمذهبيّة، وثانياً للحؤول دون تحوّل البلاد ساحة رئيسيّة للحرب المباشرة الأميركيّة – الإيرانيّة من دون تخلّي أطرافها عن انتماءاتهم الإيديولوجيّة وتحالفاتهم السياسيّة، وثالثاً لوضع معالجة جديّة للوضع المالي – النقدي – المصرفي ومتفرّعاته والتفاهم على حلول للمشكلات المُستعصية ومنها الكهرباء والنفايات والفساد و…، ورابعاً بدء مسيرة الإصلاحات التي تُقنع الدول الكبرى المهتمة بلبنان والمنظّمات الدوليّة بجديّة حكومته وحكّامه ومسؤوليه، فتقدّم كلّ منها ما تستطيع لمساعدة لبنان على التخلُّص تدريجاً من حاله المأسويّة والمصير القاتم الذي ينتظره. في هذا المجال يعرف اللبنانيّون أن برّي كان دائماً مع بقاء الحريري في السرايا الحكوميّة، وأنّه وافق على حكومة اختصاصيّين انسجاماً مع شريكه في “الثنائيّة الشيعيّة” وخصوصاً بعدما أوصد الأوّل كل أبواب هذه العودة رغم إبدائه استعداده لجلب “لبن العصفور” له كي يفتحها قبل تكليف دياب. ويعرفون أيضاً أنّ “حزب الله” كان مُصرّاً على العودة نفسها وإن بعد شهرين أو ربّما أكثر من تصريف الأعمال في انتظار الاتفاق على التفاصيل كُلّها. ويعرفون أيضاً أنّ الحريري تجاوب مع ذلك لاعتقاده أو ربّما لإقتناعه بأنّ “حزب القوّات اللبنانيّة” سيُسمّيه في الاستشارات النيابيّة المُلزمة وكذلك جنبلاط و”المستقبل” والتيار طبعاً و”أمل” وربّما “حزب الله”. لكنّه “غيّر رأيه” بعدما فاجأه “القوّات” في ساعة مُتقدّمة من ليل اليوم الذي سبق الاستشارات بأنّه قرّر الامتناع عن تسميته أو عن تسمية غيره فيها. هذا الموقف “طفّح الكيل” عنده. وكان أساساً طافحاً من الوزير جبران باسيل الذي أساء بفوقيّته وتصرّفاته ومواقفه المُعلنة كثيراً إلى “جمهور” الحريري وإلى شعبيّته داخله فقرّر استعادة الشعبيّة ورفض ما وُسم به من انصياع لتوجّهات “التسوية الرئاسيّة” الطيّبة الذكر وأطرافها الفاعلين. وما كان ذلك ممكناً إلّا بإنزال الجمهور المذكور إلى الشارع والاعتصام برفض العودة.

لكن رفض العودة شيء واعتزال العمل السياسي شيء آخر. وهذا أمر فهمه برّي و”الحزب” ولا سيّما بعدما طرح عليه “الحزب” في آخر عرض أن يُسمّي الدكتور خالد قباني القريب منه أو الوزير السابق في حكومته وعضو “تيّار المستقبل” حسن منيمنة وقبلهما الرئيس تمّام سلام. لكنّه رفض موحياً بذلك أنّه سيبقى الزعيم والمُرشّح لهذا الموقع ولكن في مرحلة لاحقة. ولهذا السبب طرحا عليه تكليف د. دياب فرفضه أيضاً. فهل بدأت هذه المرحلة في سرعة وقبل أن يتسنّى للرئيس المُكلّف دياب تأليف حكومته؟ لا أحد يعرف لكن يبدو أن فتح بابها قد بدأ باتصالات ومواقف إعلاميّة. لذلك لا بُدّ من الانتظار لمعرفة إذا كان الحريري سيتجاوب مُتذرِّعاً بالوضع الإقليمي – الدولي الخطير، كما لمعرفة إذا كان المُكلّف سيعتذر طوعاً عن التأليف. وكما أن إجباره على الاعتذار قد يتسبّب بدوره بإشكالات طائفيّة ومذهبيّة. علماً أن “عودته” فقط لا تعني فتح العالم والعرب “خزائنهم” لمساعدة لبنان.

sarkis.naoum@annahar.com.lb

اضف رد