الرئيسية / أخبار الاقتصاد / هل ضاع قطع “الحساب” في دهاليز “الحساب” الانتخابي؟

هل ضاع قطع “الحساب” في دهاليز “الحساب” الانتخابي؟

موريس متى
النهار
08012018


العملة بالدولار.

 

شهد لبنان خلال العام 2017 موازنة انفلاشية بامتياز مع نفقات قياسية ذهب معظمها لتغطية كلفة #الرواتب والأجور وخدمة الدين العام الذي قارب 78 مليار دولار، بالاضافة الى تأمين التحويلات اللازمة لكهرباء لبنان.

فرغم الحسومات التي طالت اعتمادات المواد الاستهلاكية في كل الوزارات بقيمة 20 في المئة، وتخفيض اعتمادات بند التجهيزات بقيمة 25 في المئة، وغيرها من الإجراءات، لحظت هذه الموازنة نفقات قدّرت بنحو 23 ألفاً و670 مليار ليرة، أي ما يقارب 15.3 مليار دولار للعام 2017، في مقابل نفقات محققة فعلياً تقدّر بـ22 ألفاً و600 مليار ليرة، ما يقارب 14.6 مليار دولار للعام 2016، في مقابل إيرادات قدرت عند إقرارها بما يقارب 16 ألفاً و384 مليار ليرة، ما يعني 10.4 مليارات دولار، مقابل 14 ألفاً و959 ملياراً في 2016 بزيادة نسبتها 9.5%. واستنادا الى وزارة المال عند طرحها موازنة العام 2017، توقعت الارقام ان يناهز العجز العام الـ7283 مليار ليرة في موازنة 2017، وهو ما يقارب 4.7 مليارات دولار، مقابل عجز فعلي بلغ 7453 ملياراً عام 2016، أي ما يقارب 4.8 مليارات دولار.

واليوم تتجه الأنظار الى موازنة العام 2018 التي أحالت وزارة المال مشروعها على مجلس الوزراء خلال المهل الدستورية، وأصبحت في عهدة الأمانة العامة للمجلس، على ان تُحدد سلسلة جلسات لدرسها وإقرارها قبل حلول نهاية شهر آذار 2018، احتراماً للمواعيد الدستورية.

يشدد رئيس وحدة الأبحاث والدراسات في #بنك_بيبلوس الدكتور نسيب غبريل على أهمية ان تركز الجهات المعنية، في درس وإقرار الموازنة، على تخفيض حجم العجز فيها، فالعجز خلال العام 2017 يُتوقع ان يكون سجل انخفاضاً بالمقارنة مع العجز المسجل في العام 2016 عند 10% تقريباً، أما للعام 2017، فالتقديرات تشير الى وصول هذا العجز إلى ما يقارب 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن، ما يجب التأكيد عليه انه في العام 2017، شهدت خزينة الدولة واردات استثنائية تمثلت بالضرائب الاضافية التي فرضت على أرباح المصارف التي نتجت عن الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان خلال العام 2016. كما ان تحويلات الخزينة العامة إلى البلديات قد انخفضت خلال العام 2017. وبالإضافة الى هذا الأمر، يجب التذكير بأن العام 2018 سيشهد على مفاعيل سلسلة الرتب والرواتب، والتي تلحظ زيادة معاشات وأجور العمال والموظفين في القطاع العام، وهذا الامر بالتأكيد سيرفع من النفقات على الخزينة. أما الواردات فتبقى متصلة مباشرة بالحركة الاقتصادية للقطاعات بشكل عام وخصوصاً حركة الاستهلاك. ونظراً إلى أن معظم واردات الخزينة هي واردات ضريبية، وأساسها الضريبة على القيمة المضافة، والتي ارتفعت بشكل خجول في العام 2017، لم تتخطَّ نسبة 7% بالمقارنة مع ما حققته في العام 2016. ويؤكد غبريل ان في موازنة العام 2018 ستستمر حصة النفقات المتعلقة بكتلة الأجور. ومعاشات التقاعد في القطاع العام ستكون الطاغية ولها حصة الأسد ضمن النفقات العامة، وتتخطى حجم خدمة الدين العام. وهذا الأمر يحصل للمرة الأولى في تاريخ الموازنات اللبنانية نتيجة الانفلاش الذي يشهده القطاع العام الذي شهد على توظيف 26 ألف شخص تقريباً في ملاك الدولة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويبقى الملطوب اليوم التركيز على النفقات الاستثمارية لإعادة تأهيل البنى التحتية من خلال تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي ما زال يحتاج إلى نشر مراسيمه التطبيقية لكي يبدأ العمل به.

أقرت #موازنة العام 2017 من دون إتمام عملية قطع الحساب التي يشدد الدستور اللبناني على إلزاميته. دخلت السياسة وحساباتها على خط البحث عن حلول ممكنة، لعدم تعطيل الأجواء التوافقية التي أعقبت انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، فأقرت العام المنصرم على أساس تعليق المادة 87 من الدستور لمرّة واحدة فقط، على أن تقوم الحكومة بإرسال مشروع قطع الحساب إلى مجلس النواب أواخر العام 2017. هذا الأمر لم يتم حتى اللحظة، ويبدو أن إتمامه لن يحصل، أقله في المدى القريب، لحسابات سياسية وانتخابية.


واجهة مصرف لبنان.تأجيل إقرار موازنة العام 2018 وعملية قطْع الحساب، المؤجّل أصلاً، بحجّة عدم تعكير أجواء الانتخابات النيابية، أمرٌ مسيءٌ جدًّا لشرعية عمل الدولة ولسلامة ماليتها على حد سواء. هذا ما يؤكده النائب السابق لحاكم مصرف لبنان والخبير في المالية العامة وشؤون المصارف الدكتور غسان العياش، معتبراً أنه إذا حصل تأجيل الموازنة بقرار، يكون سابقة عجيبة وخطيرة في تاريخ النظم الديمقراطية في العالم، وانتهاكاً للقاعدة الدستورية الأساسية التي تمنع الجباية والإنفاق بدون إجازة برلمانية حتى ليوم واحد. ومن شأن ذلك إعادة تكريس الفوضى في مالية الدولة اللبنانية التي سادت لأكثر من عشر سنوات. والفوضى، كما في المرحلة السابقة، ستترجم بالأرقام، أي أنها ستؤدّي إلى مزيد من التدهور في المؤشّرات المالية للدولة. بينما المطلوب هو ضبط الوضع المالي واتخاذ إجراءات مالية إصلاحية صارمة، لأن عجز الموازنة المجمّع في السنتين السابقة والجديدة سيتجاوز 20 بالمئة من الناتج المحلي، ونسبة الدين إلى الناتج تبلغ 150 بالمئة، وهذه أرقام تفوق قدرة الاقتصاد على الاحتمال. ويشير العياش الى انه في قانون موازنة العام 2017 تمّ تأجيل إقرار قطع الحساب بشكل مخالف تماماً للدستور الذي ينصّ على إقرار قطع الحساب قبل نشر قانون الموازنة.

ولو طُعن بهذا القانون في حينه لجرى إبطاله على الأرجح، وإن قطع الحساب ليس ترفاً حتى يمكن إهماله، وهو ليس مسألة دستورية جوهرية فحسب، بل أيضاً أداة حيوية لرقابة البرلمان والرأي العام والأسواق على مسار المالية العامّة. ففيه يظهر الحجم الحقيقي للنفقات والإيرادات وعجز الموازنة ومدى احترام السلطة التنفيذية لقانون الموازنة ولحدود الإجازة البرلمانية. الأرقام تردُ في قانون الموازنة كتقديرات وربما تمنّيات، ولكنها في قطع الحساب تظهر على حقيقتها. وتحليل مالية الدولة، أي دولة، من خلال قوانين قطع الحساب هو أكثر دقّة وواقعية من التحليل بالاستناد إلى قانون الموازنة. ويجب أن يكفّ السياسيون عن استعمال قطع الحساب كأداة سياسية أو مناسبة للمناورات والمماحكات. وهذا أمرٌ أضرّ بالبلاد كثيراً في السنوات السابقة. وخلاصة القول إن مسار الإدارة المالية للدولة ومسار العملية الانتخابية هما أمران مختلفان ومنفصلان يسيران بشكل متوازٍ، ولا يجوز ربط الواحد بالآخر.

وللتذكير فقط، فقد ارتفع الدين العام اللبناني إلى ما قيمته 36 مليار دولار خلال 11 عاماً من عدم إقرار الموازنة، إذ ارتفع هذا الدين من 38.5 مليار دولار تقريباً في العام 2005، الى ما يقارب 75 ملياراً نهاية العام 2016، وصولاً الى أكثر من 78 مليار دولار نهاية العام 2017.

اقرأ أيضاً

اضف رد