الرئيسية / مقالات / هل تُكرِّر إيران خطأ عبد الناصر؟

هل تُكرِّر إيران خطأ عبد الناصر؟

ادّعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه تراجع عن إصدار أوامره بشنّ هجوم على ثلاثة مواقع إيرانيّة، قبل عشر دقائق فقط.

وقال أيضاً أنّه أوقف قرار تنفيذ تلك الضربة بعدما أبلغه العسكريّون أن حجم الخسائر المتوقّعة لا يقل عن مئة وخمسين قتيلاً.

هذه الكلمات المشوّشة أطلقها ترامب في عدد من تغريداته لتبرير تراجعه عن مهاجمة إيران عقب إسقاطها طائرة استطلاع أميركيّة مُسيَّرة كانت تُحلِّق فوق المياه الدوليّة.

ولكن قائد القوات الجو – فضائيّة في الحرس الثوري الإيراني الجنرال أمير علي زاده، صرّح بالقرب من حطام الطائرة، أنّها أُسقطت أثناء تحليقها فوق منطقة تابعة لسيادة إيران.

وقال أيضاً أن إيران أطلقت تحذيرين قبل توجيه صاروخ إعتراض من طراز “خورداد – 3”.

والثابت أن العسكريّين هم الذين تدخّلوا في اللحظة الأخيرة مع ترامب بغرض لجم إنفعاله، وتذكيره بأن وجبة الانتقام لا تؤكل إلّا باردة. لذلك استعاض عن الضربة بإطلاق تهديدات جديدة، وإضافة ثمانية أسماء إلى قائمة العقوبات يأتي في الطليعة مرشد النظام علي خامنئي وأركان إدارته.

كل الحجج الواهية التي استخدمها ترامب كانت تُشير إلى ابتعاده عن التورّط مع إيران في حرب مكشوفة يمكن أن يوظّفها نظام “الملالي” إلى عمل عسكري واسع. أي العمل الذي يشمل أذرع الثورة في لبنان (“حزب الله”) أو في اليمن (الحوثيّون) أو في سوريا (الجيش النظامي) أو في العراق (“الحشد الشعبي” أو في قطاع غزّة (“حماس”).

وسط هذه الحرب الباردة التي عزلت إيران عن محيطها، دعا الرئيس حسن روحاني إلى تشكيل تحالف إقليمي يضمّ الدول السنيّة أيضاً. وخصّ في خياراته نظيره التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد.

وأشار في دعوته إلى أهميّة التعاون الإقليمي الذي يُعزّز العلاقات الاقتصاديّة بما يخدم مصالح إيران وتركيا وقطر.

ومن أجل عزل فاعليّة دول مجلس التعاون الخليجي عن النزاع الدائر في المنطقة، رشّحت طهران أنقرة والدوحة للقيام بدور الوساطة في حال طالبت الولايات المتّحدة بفتح حوار مع إيران.

وفي مقابلة مع شبكة “أن بي سي” الأميركيّة للتلفزيون، أبدى ترامب استعداده لإجراء محادثات مع إيران من دون شروط مُسبقة. وأعلن كذلك أنه جاهز للقاء مرشد النظام علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. والمُلفت في الأمر أن دعوة التقارب صدرت عن ترامب قبل أسبوع تقريباً، من نشر قائمة العقوبات التي شملت خامنئي وروحاني. ومن خلال هذا المؤشِّر البارز يمكن اكتشاف حال التشويش والتناقض التي يعيشها ترامب، بحيث أنّه يريد الشيء… ويريد عكسه في الوقت ذاته!

في هذه الأجواء المحمومة، بادرت إيران إلى شنّ حملة إعلاميّة تذكِّر الأميركيّين وحلفاءهم بالثورة الإيرانية التي اندلعت شباط (فبراير) 1979. كما تذكّر بما فعله أنصار الثورة بموظّفي السفارة الأميركيّة في طهران عندما احتجزوهم لمدّة 444 يوماً.

وترى الصحف الأميركيّة في هذا التذكير المؤلم صورة مماثلة لمعالم الشرق الأوسط الذي باشرت ثورة “الملالي” في تدمير بنيته التحتيّة. ولم تكن سياسة مهاجمة ناقلات النفط سوى مقدّمة لتطوّرات أكثر عنفاً في منطقة الخليج.

على ضوء هذه الأحداث، أعلنت شركات الطيران العالمية أنّها بدأت في تغيير مسارات رحلاتها للمجال الجوّي الذي تُسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عُمان. ويُستدل من الحالات الطارئة التي فرضت على شركات الطيران هذا التغيير، أن إيران نجحت في إرباك حركة السفر والنقل في أجواء الخليج.

ويتوقّع المراقبون من القيادة المركزيّة في طهران، إجراء محاولات مُتكرّرة من أجل إغلاق مضيق هرمز بواسطة بوارجها وألغامها، في حال فشلت في تليين موقف الولايات المتحدة. ولكن الوصول إلى هذا المدى من الخطوط الحمر لا يمكن التنبّؤ بعواقبه الوخيمة. وترى الصحف المصريّة بعض التماثل بين موقف الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1956 يوم أقفل قناة السويس… وموقف علي خامنئي الذي يهدد بإقفال مضيف هرمز، أي إقفال الممرّ البحري الحيوي الذي يعبره يوميّاً ثُلث إمدادات النفط العالميّة.

إضافة إلى إظهار مخاطر التهديدات التي تمارسها إيران على مساحة واسعة من العالم العربي، فقد ركّزت هجماتها أيضاً على ضرب منشآت أميركيّة في العراق. وبينها على سبيل المثال شركة نفط أميركيّة في البصرة، ومجمع خاص بمستشارين عسكريّين في الموصل. والغرض من وراء هذه العمليّات إقناع ترامب بأن الوجود الأميركي في المنطقة لم يعد سليماً. وعليه أن يُبادر إلى استراتيجيّته المُعادية لنظام “الملالي”، لأن الخميني أرسى دعائم دولة ليس لها على وجه الأرض دولة مُشابهة.

والسؤال المطروح عبر هذه الأزمة الخطيرة، يتعلّق قبل كل شيء بشراسة الحرب التي تخوضها إيران على مختلف الجبهات المُتاحة.

والسبب، كما يُفسّره الرئيس حسن روحاني، ناتج عن إحساس الإيرانيّين بأن الحرب الاقتصاديّة التي تشنُّها الولايات المتّحدة عليهم ليس لها ما يُبرّرها. وهم يعتبرونها نسخة مُنقّحة عن الحرب الاقتصاديّة التي أسقطت منظومة الاتحاد السوفياتي بعد حكم استمرّ سبعين سنة. وبالمقارنة مع ذلك الحدث العالمي، تحاول واشنطن نسف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة من طريق رفع درجة العقوبات بحيث تنهار هذه الدولة من الداخل. لهذا السبب ردّت على الحرب الاقتصاديّة التي تُمارسها الولايات المتحدة ضدّها، بإعلان حرب عسكريّة توقّعت أن يخسرها الرئيس ترامب… ويخسر من بعدها معركة التجديد.

يوم الثلثاء الماضي، هدّد الرئيس الأميركي إيران من عواقب أي هجوم على المصالح الأميركيّة في المنطقة. وكان قد بلغه أن قوّاته في العراق قد تتعرّض لهجمات صاروخيّة. لذلك حذّر من خطر الإقدام على هذه الخطوة، كونه سيُقابلها بردّ ساحق قد تكون من نتيجته محو إيران من الوجود!

وسائل الإعلام في مختلف الولايات الأميركيّة، قابلت “تغريدة” ترامب بالسخرية، مذكّرة أنه باشر حملة إزالة كوريا الشماليّة من الوجود عقب إجراء خمس تجارب نوويّة وإطلاق صواريخ قادرة على بلوغ الأراضي الأميركيّة.

وبعد مضي وقت قصير على حملات الاستفزاز، اجتمع ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ – أون، وإتّفقا على إستئناف المفاوضات وتطوير العلاقات.

فهل يمكن لهذا السيناريو أن يحدث بين الولايات المتّحدة وإيران؟

عندما كان ترامب في زيارة رسميّة لليابان، عرض عليه رئيس الوزراء القيام بوساطة مع إيران. وبعد موافقة الرئيس الأميركي، خذلت طهران ضيفها، ورفضت وساطته، علماً أن اليابان تُعتبر من أفضل زبائن النفط الإيراني.

يبقى السؤال المتعلّق باحتمال استمرار هذا النزاع مدّة أطول بكثير ممّا يتوقّع المراقبون؟ وما إذا كان “حزب الله” سيضطرّ إلى إسعاف إيران في حال تعرّضت لمزيد من الحصار الاقتصادي والعسكري!

حتّى اليوم لم يصدر أي ردّ فعل عن قيادة “حزب الله”. وكل ما صدر عن إسرائيل حول هذا الموضوع كان على لسان الجنرال غيورا ايلاند، رئيس مجلس الأمن القومي السابق. وقد اختصر توقّعاته بهذه العبارة:

“لن تستطيع إسرائيل رغم ما تملكه من قوّة، أن تدمِّر مئة ألف صاروخ لدى “حزب الله”، ولكنّها تستطيع أن تُدمِّر في غضون أيّام قليلة كميّة هائلة من البنى التحتيّة الأساسيّة في لبنان، كما تستطيع توجيه ضربات مُدمّرة لجيش لبنان الرسمي”.

وفي ردّ سابق، قال الرئيس ميشال عون: “ما دامت إسرائيل تحتلّ أرضاً لبنانيّة… وتطمع بثروات لبنان. وما دام الجيش اللبناني لا يملك القوّة الكافية لردع إسرائيل، فإن سلاح “حزب الله” مُهمّ، ودوره يُكمل عمل الجيش ولا يناقضه”.

صحافي لبناني

اضف رد