محمد نمر
النهار
31052018
تغيرت قواعد اللعبة في سوريا. لا معارك حقيقية بين النظام السوري والمعارضة المسلحة. تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بات في خبر كان. وخزان المعارضة في إدلب منضبط حتى اليوم. ومرحلة جديدة من التعامل مع إيران انطلقت، جاعلةً وجود الميليشيات الايرانية و”حزب الله” أولوية في الملف السوري الذي دخل مرحلة التدويل ولم يعد لإيران أو تركيا أو الدول العربية قرارات حاسمة في تحديد مستقبله.
إسرائيل وحدها من يقرر في المنطقة ومطلبها واضح: “لا مجال لوجود إيراني عسكري في أي جزء من سوريا” وفق ما يقول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. في الوقت عينه، تلوح في الصالونات الدولية صفقة واضحة: خروج إيران من سوريا مقابل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم حتى انتهاء ولايته، فضلاً عن معطيات ترجح استعداد اسرائيل لكسب الاعتراف بالجولان المحتل كأرض لها بشكل رسمي بعد اغتنام الفرصة وكسب نقل السفارة الاميركية إلى القدس.
وتنسجم أميركا وروسيا مع موقف إسرائيل، إذ جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مطالبته “جميع التشكيلات الأجنبية بضرورة مغادرة منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا في أقرب وقت ممكن”، في رسالة واضحة إلى إيران و”حزب الله”، فليس هناك من قوات أجنبية غيرها في هذه البقعة الجغرافية، التي يتشارك فيها طرفان وفق مصادر قريبة من التواصل الاردني – الأميركي.
ولخصت هذه المصادر توزع القوى على الشكل الاتي:
– معارضة سورية منضبطة مدعومة من أميركا والأردن: تنتشر في منطقتين في جنوب سوريا مشمولة باتفاق “خفض التصعيد”: الأولى تبدأ من بصرى الشام وتنتهي عند منطقة جدل في ريف درعا الشمالي، أما الثانية فتبدأ من تل شهاب الحدودية حتى كفر ناسج قرب أسوار مثلث الموت (يربط أرياف درعا – القنيطرة – دمشق) وتتصل بها القنيطرة التي تبدأ من المعبر إلى مدينة البعث.
– النظام والميليشيات الايرانية يتوسطون المنطقتين السابقتين وينتشرون في ستة معاقل رئيسية: درعا المحطة وخربة غزالة وإزرع وقرفة والشيخ مسكين وتل عتمان. وتعتبر منطقة إزرع أخطر المواقع بالنسبة إلى إسرائيل، حيث تتمركز “فرقة المهدي” الصاروخية التابعة للحرس الثوري الايراني في نقطتين كانتا لفرقة الدفاع الجوي السوري. وفي النقطتين قواعد صواريخ من نوع “زلزال” يمكن أن تصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما “مثلث الموت” فهو الأكثر نفوذا لمصلحة “حزب الله” وفيه 5 نقاط رئيسية: 1 – تلال فاطمة التي قصفتها اسرائيل في “ليلة الصواريخ” الشهيرة بعد أن نشر فيها الحزب راجمة صواريخ من نوع “غراد”. 2 – تل غرين التي تحوي على نقاط رباط عسكرية للحزب و”لواء فاطميون”. 3 – دير ماكر حيث مساكن للحزب والميليشيات الايرانية. 4 – دير العدس على خط الجبهة مع كفر شمس المعارضة. وسجل ارسال “حزب الله” تعزيزات إليها في الأيام الماضية تمثلت بعشرات المقاتلين وسيارات “شاص” عسكرية. 5 – كتيبة جدية تسيطر عليها “حركة النجباء” العراقية، وتشكل خطراً على تل حارة (أهم التلال التي تسيطر عليها المعارضة).
ووفق المصادر نفسها، في أواخر عام 2017 وبعد اجتماعات في عمان ضمت الأردن وروسيا وأميركا تحت عنوان “حماية أمن دول الجوار”، حصلت إسرائيل على 15 كيلومتراً من مطلبها القاضي بابعاد الايرانيين 40 كيلومتراً عن حدودها، كما كان للاردن مطلب بابعاد الميليشيات مهما كانت هويتها 16 كيلومتراً عن حدودها أي حتى درعا المدينة.
والقاسم المشترك بين إسرائيل والأردن موافقتهما على وجود جيش النظام السوري والشرطة الروسية في هذه المساحات بدلاً من الميليشيات الايرانية و”حزب الله”. وفي المقابل تريد روسيا ابقاء سيطرتها على سوريا وتنفيذ مشروعها، وفي الجنوب الحصول على درعا ومعبر نصيب والقنيطرة وتأمين الاوتوستراد الدولي.
الاجتماعات مستمرة في الأردن للبحث منطقة جنوب غرب سوريا. وبشكل موازٍ تشهد موسكو اجتماعات مع اسرائيل بحضور أميركي غير مباشر لمتابعة تطورات الجنوب السوري وتحديدا القنيطرة ومعبرها وكامل الحدود.
وبحسب مصادر عسكرية سورية معارضة موجودة في الأردن ومطلعة على تطورات الجنوب، فإن إسرائيل أعدت ثلاث استراتيجيات منذ بداية الأزمة. الأولى عام 2012 اقتصر الدور الاسرائيلي فيها على الاستطلاع وقراءة الأحداث من دون تدخل مباشر، واقتصرت الغارات على استهداف أي عمليات لنقل صواريخ إلى “حزب الله”. الثانية عام 2014، إذ أنه مع ازدياد النفوذ الايراني، بدأ التدخل الاسرائيلي بمساعدات عسكرية لفئة من المعارضة السورية وغارات مقننة على أهداف معينة، أما في الـ 2018 فاتخذت خيار الحرب الصامتة والتصعيد غير المسبوق، بعدم تحديد سقوف لغاراتها وتزامن معها تحرك سياسي نشط.
وتزامناً مع الاجتماعات في الأردن وموسكو، فإن إسرائيل اتخذت خيارها بالقضاء على أي وجود إيراني في الجنوب السوري، وباتت ضرباتها بالجملة. ولا تعلن إيران عن استهدافها أو خسائرها كما لا تكشف إسرائيل عنها، في سياسة إسرائيلية واضحة لعدم إحراج النظام السوري ودفعه إلى الرد، إذ تقول المصادر: “النظام يعلن عن الضربات التي تستهدفه ويصمت على غارات تستهدف الوجود الإيراني. ويقول المصدر العسكري السوري المعارض، إن أولويات إسرائيل هي باستهداف:
1 – أي عملية تهريب أسلحة من سوريا إلى “حزب الله” في لبنان.
2 – انتشار إيراني ضمن قواعد عسكرية جوية أو برية تحوي على منصات صاروخية أو طائرات “الدرون”.
3 – منشآت “يعتقد” أنها تعد لتكون قاعدة إيرانية عسكرية في سوريا.
4 – أي نشاط لتعزيز وجود “حزب الله” على طول الحدود السورية – الاسرائيلية.
5 – استهداف مباشر لا يحتاج قراراً مسبقاً لأي تحرك يشكل خطراً على أمن اسرائيل القومي.
ماذا عن السيناريوات المتوقعة (وفق المصدر):
أولاً: رفض إيران خروجها من هذه البقعة الجغرافية، ويكون بمثابة انتحار إيراني يدفع الاسرائيلي إلى التصعيد، ويستهدف الميليشيات الايرانية والنظام في الجنوب وتخريب الأجندة الروسية وهو ما لا ترغب به موسكو. فهي لا تنزعج من ضرب الايرانيين بقدر انزعاجها من استهداف الجيش النظامي الذي تعمل على إعادة ترتيبه.
ثانياً: خروج الايرانيين من هذه البقعة الجغرافية، مما يطرح السؤال الاتي: ما الضمانات التي ستطلبها ايران وهل يكون ذلك على حساب مناطق اخرى، كالانتقال إلى جنوب دمشق؟ وهل تتوقف إسرائيل عن ضربها في اماكن أخرى؟
mohammad.nimer@annahar.com.lb
Twitter: @mohamad_nimer