سركيس نعوم
النهار
12082017
تحرير جرود عرسال من إرهابيّي “النصرة” و”سرايا أهل الشام” والاستعداد لتحرير جرود القاع ورأس بعلبك وغيرهما أثارا الاهتمام، ليس فقط في الأوساط اللبنانيّة الشعبيّة والإعلاميّة والحزبيّة والطائفيّة والمذهبيّة والرسميّة وتحديداً الحكوميّة، بل أيضاً في الأوساط الدوليّة وتحديداً الأميركيّة، كما في الأوساط الإقليميّة من عربيّة (المملكة العربيّة السعوديّة وغيرها) وإسلاميّة غير عربيّة (الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة). الاهتمام بـ”التحرير الأول” تركّز عند المؤيّدين لـ”حزب الله” على الذي قام به على اعتباره إنجازاً بل انتصاراً قريباً من انتصار “الوعد الصادق” على اسرائيل في تموز 2006. إنجاز لمقاتليه الذين صاروا جيشاً محترفاً وقوّة إقليميّة مهمّة، وإنجاز لحلفائه الإقليميّين وتثبيت لنفوذه المنبثق من نفوذهم في لبنان، ولأركان العصر الجديد الذي دخله لبنان في السنوات الأخيرة والذي يسمّيه أخصام “الحزب” العصر الشيعي. أما من جهة المعارضين لـ”حزب الله” وسياساته في الداخل ولكونه جزءاً من استراتيجيا الدولة الإسلاميّة في إيران ومنفّذاً لسياستها وحروبها في المنطقة، فإنّهم يوافقون على أن هدف التحرير الأوّل تعزيز “العصر الجديد” في لبنان. لكنّهم يعتبرون أن “المعركة” التي جرت كان فيها من السيناريو الكثير لأن مفاوضات طويلة سبقتها، ومكّنت “الحزب” من حسمها في 48 ساعة وتفاوضيّاً بعده في أيام قليلة. ويعتبرون أيضاً أن من أهدافها إقناع اللبنانيّين مسيحيّين ومُسلمين بأن الانجاز – الانتصار، حماهم في عرسال وسيحميهم في القاع ورأس بعلبك. وإقناع الدولة اللبنانيّة بمؤسساتها وشعوبها المختلفة على كل شيء تقريباً في البلاد بأن “حزب الله” حاجة لها، وبأن دوره المُهيمن أمنيّاً وعسكريّاً ودوره السياسي المتعاظم هو حاجة أيضاً الآن للمحافظة على الاستقرار وإن هشّاً، وفي المستقبل للمحافظة على نفسها.
ماذا عن “التحرير الثاني” المرتقب للجرود الشرقيّة في البقاع؟ وكيف تنظر إليه الأوساط المتنوّعة المذكورة أعلاه؟
أنصار “حزب الله” داخلاً وخارجاً متمسّكون بإنجازه سواء على أيدي مقاتليه أو على أيدي الجيش اللبناني، أو بالتعاون بينهما ومع الجيش السوري، إذ أنّ الأرض التي يحتلّها “داعش” وإرهابيّوه نصفها سوري ونصفها لبناني، وأخصامه داخلاً وخارجياً أيضاً يؤيّدون إنجاز التحرير الثاني ويدعمونه لكنّهم يقولون الآتي:
1- الجيش اللبناني قادر وحده على تحرير القسم اللبناني من الجرود الشرقيّة بخبرة جنوده وتدريبهم وبالسلاح الذي في حوزتهم. والولايات المتحدة ستقف معه في هذه الحال بكل إمكاناتها. لكنّها لن تقف معه إذا خاضها مع “حزب الله” (واستطراداً سوريا) وإن كانت له القيادة نظريّاً. فإذا أراد “حزب الله” خوضها منفرداً فليفعل. علماً أنه قد ينفّذ قبل اندلاعها وبعد توقّفها “سيناريو تفاوض” مثل الذي نفّذه مع “النصرة” و”سرايا أهل الشام”. والجيش اللبناني يعرف هذا الأمر وكذلك الدولة.
2- تعتقد الولايات المتحدة أن ما جرى في جرود عرسال “فخّ” أوقع فيه “الحزب” الدولة واللبنانيّين لإخافتهم أولاً ثم لإقناعهم بأنه مُنقذهم على تنوّعهم الطائفي والمذهبي، وبأن ما سيجري في الجرود الشرقيّة هو “فخّ” آخر لتكريس السيطرة. إنطلاقاً من ذلك فهي ترى أن سير دولة لبنان بكل مؤسّساتها في هذه السياسة رغم كل التحذيرات من أهدافها المستترة سيجعلها والدول الأخرى المؤيّدة للبنان من عربيّة وأجنبيّة تتخلّى عنه، الأمر الذي سيعرّضه إلى عقوبات شديدة ستُفرض أساساً على “حزب الله”، وسيجعله دولة “معادية” للمحور الذي تقوده هي في المنطقة. إلى ذلك يعتقد المسؤولون الأميركيّون الكبار أن سيطرة “حزب الله” على لبنان ستدفع أو قد تدفع اسرائيل المتوجّسة من ترسانته وجيشه وصواريخه إلى شنّ حرب عليه تدمّر لبنان بكليته قبل أن تدمرّه. وفي حال كهذه لا يستطيع أعداء “الحزب” ومؤيّدو إسرائيل وسلامتها منهم الاعتراض على حرب كهذه.
في اختصار سيمرّ شهر صعب جدّاً على لبنان أو ربّما أسابيع. وعلى اللبنانيّين أن يكونوا في رأي واشنطن وحلفائها العرب واعين وكذلك دولتهم والمسؤولين فيها كي لا يدفعوا أثماناً باهظة. فهل يريدون دولة جدّية لها جيش أو دولة “جيشها” مؤلّف من “موظّفين” ومن “حزب” يقوم مقامه يشبه “الحرس الثوري” الإيراني إلى حدٍّ كبير؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb