موناليزا فريحة
النهار
02032018
منذ العاشر من شباط، تاريخ الاشتباك الاسرائيلي-الايراني الاول من نوعه، لم ترصد اي غارات اسرائيلية جديدة في سوريا، وإن كان مسؤولون إسرائيليون أكدوا مراراً أن سياسة الردع الاسرائيلية مستمرة، وذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر الامن في ميونيخ الى التهديد بضرب ايران نفسها، وعدم الاكتفاء بضرب مواقع لها في سوريا. لذلك، اعتبرت الصور التي نشرتها شبكة “فوكس نيوز” الاربعاء والتي تظهر “قاعدة ايرانية جديدة قرب دمشق”، مؤشراً الى ضربة اسرائيلية جديدة محتملة في سوريا.
وعزز هذا الاعتقاد ربط معلقين تلك الصور بأخرى تفردت بها هيئة الاذعة البريطانية “بي بي سي” في كانون الاول الماضي، وقالت إنها تبين أعمال بناء في بين كانون الثاني وتشرين الاول 2017، في موقع تابع للجيش السوري خارج منطقة الكسوة على مسافة 14 كيلومتراً جنوب دمشق وعلى بعد حوالى 50 كيلومترات من مرتفعات الجولان المحتلة. وبحسب الصور، ظهر أكثر من 20 مبنى منخفضاً، رجّح أنها ستستخدم لإيواء الجنود وتخزين المركبات.
وبعد اسابيع من نشر تلك الصور، نفذت المقاتلات الاسرائيلية غارات على مواقع قالت إنها ايرانية في سوريا. من هذا المنطلق، رأى خبراء ومعلقون اسرائيليون إن الصور التي نشرتها “فوكس نيوز” هي بمثابة بطاقة حمراء اسرائيلية لايران.
ولم تورد “فوكس نيوز” تفاصيل عن القاعدة، الا ان تقارير في الاعلام الغربي والاسرائيلي أفادت أن الصور التي التقطتها شركة أقمار اصطناعية إسرائيلية تظهر مستودعي صواريخ قادرة على ضرب اسرائيل، وأن القاعدة تبعد 8 أميال من شمال غرب دمشق، وتدار من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
و لا يشير التقرير بوضوح الى مصادر اسرائيلية، ولكن معلومات متقدمة كهذه تقف وراءها بالضرورة استخبارات متطورة.
وسبقت تقرير “فوكس نيوز تقاير عن التوسع الايراني في سوريا، وانتشار الميليشيات الشيعية والخبراء العسكريين وجنود من الحرس الثوري، اضافة الى خطط لبناء قواعد ومصانع للأسلحة. وأوردت صحيفة “النيويورك تايمس” خريطة مفصلة لما قالت إنه قواعد ايرانية في سوريا. وفي ضوء هذه التقارير، ليس غريباً الافتراض أن العد العكسي بدأ لمواجهة جوية جديدة في سموات سوريا. فمع أن لا مصلحة لأحد في حرب في المنطقة المشتعلة أصلاً، لا شيء يضمن الا تخرج الامور عن السيطرة.
ربط الجبهتين
وتعتبر اسرائيل أن الجهود الايرانية تركز في سوريا خصوصاً على تسليح “حزب الله”، ومؤخراً، على تطوير نوعية دقة إصابات الصواريخ التي يملكها هذا التنظيم اللبناني.
ومع ذلك، توحي الفرضيات الاسرائيلية بأن الدولة العبرية تستعد لربط الجبهة السورية مع نظيرتها اللبنانية في أي حرب مقبلة.
ويقول المحلل العسكري عاموس هارئيل في صحيفة “هآرتس”: “على افتراض أن إيران تستعد لاحتمال نشوب حرب مستقبلية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، من المنطقي بالنسبة إليها إعداد جبهة إضافية في عمق أراض سورية. ومثل هذه الخطوة ستفرض على سلاح الجو مدّ قدراته الهجومية على جبهة واسعة، وإجبارالإيرانيين وشركائهم على إطلاق الصواريخ على إسرائيل من مسافة بعيدة نسبياً، حتى لو قام الجيش الإسرائيلي بعملية برية واسعة النطاق في لبنان”.
بين اسرائيل وأميركا
وتأتي هذه التقارير والسجالات الاسرائيلية قبل اللقاء المرتقب بين نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب في واشنطن الاثنين المقبل وبعد عودة وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من زيارة لإسرائيل، وتصريحهم بأن التهديدات الجديدة من ايران تفرض على الإدارة الأميركية البحث في زيادة خاصة للمساعدة الأمنية لإسرائيل.
ومن جهتها، لا تبدي واشنطن اهتماماً بتبديد قلق اسرائيل حيال النفوذ الايراني المتزايد في سوريا، الى درجة أن مسؤولين اسرائيليين يرون فرقاً كبيراً بين التهديدات الاميركية لايران وتحركاتهم.
وأقر قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال جوزف فوتيل في شهادة أمام الكونغرس الثلثاء بأن مهمة الاميركيين في سوريا هي القضاء على “داعش” لا التحرك ضد طهران.
وبثت القناة العاشر الاسرائيلية أن نتنياهو سيحاول اقناع ترامب الاسبوع المقبل بالتحرك فوراً ضد ايران في سوريا لوقف توسعها العسكري ونوفذها الديبلوماسي المحتمل في حال حصول اتفاق على انهاء الحرب المستمرة منذ سبع سنوات.
وأعربت اسرائيل عن استياءها حيال السياسية الاميركية في سوريا خلف أبواب مغلقة في مجلس وزراء أمني مصغر رفيع المستوى.
وأبلغ وزير الامن العام غلعاد إردان الاسبوع الماضي الى مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية البارزة أن “ثمة حاجة الى انخراط أميركي أكبر لمنع ايران من تحويل سوريا الى دولة دمية…كل يوم تمدد فيه ايران نفوذها في سوريا يقرب الحرب”.
وزير الامن الامن العام غلعاد إردان. (أ ف ب)
ومع أن الجنرال فوتيل أقر في كلمته بأن الجمهورية الاسلامية تحاول إقامة ممر أو “هلال شيعي” عبر الشرق الاوسط، نقلت القناة العاشرة عن التلفزيون الاسرائيلي أن “اسرائيل تحاول القول بطرق مختلفة أن ثمة تهديداً حقيقياً هنا. ثمة قلق ونحن نتفهم ذلك بالتأكيد، ولكن الى أن تنجز الحرب ضد داعش، فان القدرة على التعامل في شكل حاسم وحازم مع التحدي الذي تمثله ايران هي ضرورة لا يمكن تحقيقها بالشكل الذي نريده أو يريده آخرون. وقد أوضحنا ذلك . ثمة تداخل للتهديدات والاولويات”.
استعراض وثرثرة
ومن جهتها، تواصل اسرائيل استعدادتها، وتستعرض مزيداً من الوحدات والاسلحة. وكان هذا الاسبوع دور سلاح البر، إذ كشف ضابط كبير في هيئة الأركان العامة في حلقة دراسية للمراسلين العسكريين تفاصيل تتعلق بالقدرات العملانية والتكنولوجية، مثل استخدام طائرة شراعية انتحارية، وطائرات من دون طيار، وأيضاً تفاصيل تتعلق بالاستعدادات للمواجهة المقبلة.
وفي سياق كلامه، ذهب الضابط الى القول إن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يجب أن يُقتل في الحرب القادمة.
ولكن هذا الكلام أثار حفيظة معلقين اسرائيليين اعتبروه ثرثرة لا لزوم لها. وكتب يوسي ميلمان: “حتى لو كان كلام الضابط الكبير يخدم الردع الإسرائيلي، فإنه أيضاً يمكن أن يثير توتراً وردّات فعل لا لزوم لهما. ومن الأفضل أن نقلل من الكلام. وربما حان الوقت كي يقوم رئيس هيئة أركان الجيش بإغلاق أفواه الألوية في الجيش ويأمرهم بالكلام فقط في الأمور التي تدخل في مجال مسؤولياتهم”.