فاطمة عبدالله
النهار
27062018
النيّة صافية، وهبة طوجي ممن يغنّين لحرية الإنسان. تخلع منديل الرأس وتُنهي حقبة النفق، لتنطلق بسعادة إلى الاتّساع والضوء. المرء كائن حرّ. دعكَ من لفّ المشانق حول عنقه وجرّه نحو موته. بالأبيض، تصوّر طوجي الخطوة المضيئة بتاريخ المرأة السعودية، فخلع غطاء الرأس اختزالٌ طيّب النية.
على الأرجح، جَلْد طوجي بسببه مبالغة، فالرسالة في رمزيتها ودواخلها وعمقها الإنساني الجميل. “مين اللي بيختار” (كلمات غدي الرحباني، ألحان أسامة الرحباني، غناء طوجي وإخراجها) مباركة للمرأة السعودية وشدٌّ على يدها. طوجي تعلم المناخ والأجواء والخصوصية، فهي أول لبنانية تغنّي في المملكة وتنخرط من قرب بفرحة نسائها. ولعلّها ليست من صنفٍ يتعمّد الاستفزاز لأغراض الشهرة حين يتعلّق الأمر بضوابط الدول. الفارق أنّها لم تقدّم نفسها امرأة سعودية، بقدر ما قدّمت نفسها امرأة مُنطلقة خارج الخوف، ممتدّة في المساحات، حرّة. التحية للسعوديات، لكنّ جوهرها للمرأة الكونية. الكليب ليس فلسفياً، دلالاته مباشرة، وبُعده واضح: “ما حدا بيقدر يمحيني، القوة لفيّ رح تحميني”. هو ترجمة طبق الأصل للأغنية. لولا خلع غطاء الرأس لصفّق الجميع وخرجوا يُكملون حياتهم العادية، لكنّ الجدل متعة. تعامُل طوجي مع مسألة “الاحتشام” له منحى فنّي. هو اختزال وليس دعوة، بسمة وليست صرخة. المشهد متماسك منذ الانطلاق إلى الوصول. بطلته امرأة تقود مصيرها، لا سيارتها. السيارة وسيلة لغاية سامية تتعلّق بحقوق البشر. قيادتها تمهيد لقيادة أكبر وريادة أعظم. حين تشرق الشمس يبتسم العالم لتزول الغيوم الحزينة. فسحة امتداد وانطلاق ومواجهة: “كبرت وصرت وحدي لبختار”. الأنفاق المظلمة هي دواخلنا المُعذّبة بالانطفاء وأرواحنا المكبّلة بالآخر. لا يهمّ بعدها إن كان الرأس مغطّى أم مكشوفاً. الإنسان ليس رأساً ولا أغطية. هو الداخل المسكون بالرغبة في الإنجازات الكبرى وزرع الأمل. “رح كفّي المشوار”، هنا المعضلة وعمق التحوّلات الفارقة. الطريق طويلة، وهذه البداية. “أنا بدّي طير” وإن تكسّرت الأجنحة.