الرئيسية / مقالات / ها إن الهواء قد انقطع

ها إن الهواء قد انقطع


نقلا عن صفحة ميشل  م.  غاريوس
السبت 11 شباط 2017

ها إن الهواء قد انقطع. اشعر بان كلماتي ضائعة في متاهات العبث.وأن صريخي الثائر لا نفع منه ولا أمل.الظلام يجتاحني ولا ارى إلا ظلاما . ثم عبثا أحاول تخطي
المرارة التي تنتابني كلما انتابني همُّ بلادي.وليست الظروف السياسية او الأمنية هي التي تجعلني اتخبط في الظلام بل ذلك الإسفاف في المستويات البيئية التي تحيط بنا . نعم بسبب ذلك اكاد أختنق.

“لقد أرْعَبتِني يا صديقتي أهذا كل ما في الأمر”؟ ، سأواجه بمثل هذا النوع من الكلام ، ومن سيواجهني يعتقد انه مشغول بأمور أهم وأكثر جديّة وان لدينا من الوقت ما يكفي لإصلاح ما تخرَّب في المجال الحيوي الذي نعيش فيه. “لنبدّي على امور البيئة أمورا اخرى
فالأمر لا يدعو الى العجلة وليس فيه طارئ أو ذعر. هناك ملفات أكثر الحاحا تتطلب المعالجة”.

وعلى هذا أجيب أن الأمر طارئ وملحاح: إننا مستمرون في تبديد هبات منحتنا اياها الطبيعة . والهبات هذه لا تعوّض، بحار وغابات ووديان وبساتين وجداول …. من سيهمّ وينظفها إن بدا لنا أنها مهمّة وذات قيمة؟ ومن سيتحلى بالشجاعة ليجول في لبنان فيرفع شتى انواع الأكياس والزجاج والعلب والدواليب المندثرة والمنثورة في الغابات وعلى الشاطئ وفي البحر والوديان والسواقي؟ في الأمر طارئ أجل . من سيعيد الى الجبال ما انتزعته منها الشاحنات ؟ من؟ شاحنات تُبلي شواطئ بحارنا بالإسمنت ، تبلي مدننا بالإسمنت وتبلينا بالعمى فعبثا نحاول مشاهدة جمالات غياب الشمس. عبث حتى الإختناق . هل تعلمون ان بلدانا على هذه البسيطة لا تعرف منظر غياب الشمس ويتكبد ناسها ألمسافات للتمتع ببهاء الشمس عند المغيب؟ من سيعيد الينا الشاطئ سليما . أية سخافة هذه أن تقطن في جوار الشمس والبحر دون ان تستطيع الإفادة من هذه الميزة الكبرى؟

لم يعد لدينا إلا القليل من الأشجار والمساحات الخضراء في المدينة وكان الجبل صامداً لنستزيد نقاوة غير ان الجبل صار مكبا أو مقلعا ومن الستحيل العودة به الى ما كان عليه . من سينظف أوديتنا .من سينظف السواقي والجداول ؟ من!؟ .من المؤكد أن هنالك مشاكل اخرى على قدر كبير من الأهمية و ومعالجتها واجب كمثل مشكلة النازحين وقانون الإنتخاب والمياه والكهرباء وأمن الطرقات وحقوق المرأة وحقوق الرجل ومستقبل الزراعة ومستوى التعليم وهذه المشاكل بكليتها موجودة في الحيّز الموبوء الذي نحن فيه ونعيش فيه. إنها “البيئة ” مثار قلق الكبير ومعالجتها بسرعة امر اساسي لما للبييئة من تأثير على صحة ومزاج الفرد أياً كان ذلك الفرد.

لهذا انا متأكدة ان ما من مشكلة ابدى في خطورتها من مشكلة البيئة وقد وجب حلها قبل اية مشكلة اخرى.إذ كيف يمكن أن ننكبَّ على المواضيع المشاكل التي تنخر فينا قبل حل المشكل الجوهري الذي نحن فيه وان بقي دون حل فليس بالإمكان بلوغ المشاكل الأخرى لحلّها . إن بيئتنا وسخة والوساخة لا تنتج إلا وساخة . الإنسان ابن بيئته هكذا تعلّمنا في المدارس التي ارتدناها ، هكذا علّمنا ابن خلدون . وكم يحز في قلوبنا ان نرى بيئتنا في بلدنا الجميل الساحر المهيب ، كم يحزّ في نفوسنا ان نجده يتلشى امام لامبالاتنا.

إن تلاشينا نحن بالذات لا بل غرقنا جميعا آت سريعا . الأمر خطير وكل واحد منا مسؤول . لا بد من تلقف المشكل المأساة ووضع حد نهائي لمصائبنا الكبيرة والصغيرة وان لم نفعل الآن وبشكل طارئ سنحول لبنان شيئا فشيئا الى مكب او مطمر لحياتنا البريّة والنباتية. عندها لا تنفع الندامة إلا في ايقاظ ألم الحنين . على القادة العمل ليل نهار ليفرضوا على المواطنين وعلى كل الذين يعيشون على الأرض اللبنانيّة احترام البيئة . وليس سوى احترام البيئة . وعلينا نحن اللبنانيين ان نفرض حقنا الأساسي والبديهي بالعيش في بيئة سليمة.والظاهر اننا بحاجة الى دكتاتوريّة لبلوغ المبتغى.الفرض ثم التطبيق فالمراقبة والمعاقبة حتى نيل المبتغى من حسن تقاليد وسرعة في ردة الفعل المدنية من اجل انقاذ ما تبقى ومعاكسة المنحدر صعودا باتجاه عزّتنا.

ميشل م. غاريّوس

اضف رد