مروان اسكندر
النهار
18052018
في تاريخ 19/4/2017، أي منذ سنة، أعلن ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اطلاق مشروع انشاء مدينة تحاكي في خصائصها المستقبل التكنولوجي المتوقع عالميًا.
ورأى الامير، الذي يستهدف تحويل السعودية من الاعتماد على النفط والغاز بنسبة 90 في المئة لتمويل نفقات القطاع العام، ان هذه النسبة لا بد من خفضها بحلول سنة 2030 الى 25 في المئة فقط، ذلك ان النفط والغاز مصدران للطاقة والدخل ينضبان على مرّ السنين، والاقتصاد العالمي يتوجه الى الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة المستدامة وتوسيع دور “الروبوتات ” في توفير الخدمات والمعلومات لنسبة أوسع من المواطنين. وتوقّع رئيس شركة “مرسيدس” الذي يبلغ من العمر 84 سنة، ان تنحسر الحاجة الى الاطباء والمحامين بحلول سنة 2030 الى نسبة 70 في المئة مما هي اليوم لان تطورات المعلوماتية ستوفر المعلومات عن القوانين، والعلاج، ومخططات البناء دونما حاجة الى التعاقد مع المهندسين والمحامين والاطباء.
يبدو ان ولي العهد السعودي، الذي هو شاب بالغ الذكاء والطموح، يشاطر الصناعي الالماني ذا الخبرة الطويلة في تقويمه. والامير محمد بن سلمان يهدف، استناداً الى دراسة موسعة أنجزها له فريق اميركي متخصص، تحويل اقتصاد المملكة الى اقتصاد رقمي متطور واشراك العنصر النسائي في عملية التحول كي لا يبقى هنالك فريق كبير من المواطنين غير مشارك فيها.
ومعلوم ان مشروع نيوم سيغطي مساحة 26500 كيلومتر مربع، أي 2,5 ضعفي مساحة لبنان، وهو يمتد من الشمال الشرقي للشاطئ الغربي للمملكة جنوبًا الى ميناء العقبة في الاردن.
وهذه المنطقة متاخمة للبحر الاحمر وميناء العقبة وستكون موصولة بالاراضي المصرية عبر جسر الملك سلمان، وتحتوي على كنوز بحرية نادرة، ويمكن انجاز مشاريع زراعية وسياحية وحتى مشاريع للتزلج في الشتاء لان المساحة المخصصة للمشروع تشمل جبالاً ترتفع 2500 متر أو أكثر.
وستتمتع المنطقة بنظام ضريبي خاص وشروط متطورة للعمالة ونظام قضائي مستقل، كما ان موارد الطاقة الرئيسية ستكون من مصادر الطاقة المستدامة اي المراوح العملاقة والواح تخزين حرارة الشمس.
يبدو ان توجهات ولي العهد بدأت تتضح وتقترب من الشروع في التنفيذ وثمة دواع ايجابية لهذا التوقع. فالامير محمد بن سلمان كان قد اشار الى نية المملكة تسويق نسبة من أسهم شركة “أرامكو”، وأنجزت معاملات تقويم النسبة وقيمتها الجارية، وقد تحسنت الارقام الى حد بعيد، مع تحسن اسعار النفط. وفي تقديرنا أن اسعار النفط الحالية، مع تعديلات لاسعار استهلاك الكهرباء والبنزين والمازوت، باتت على مستوى يغطي النفقات الجارية والاستثمارية العادية. ولولا تكاليف حرب اليمن لكانت المملكة بدأت تحقق فائضًا بزيادة الموارد عن النفقات.
تحول الاوضاع المالية على نحو ايجابي يشجع الامير محمد على اطلاق المشاريع التصنيعية، والتثقيفية، والسياحية في المنطقة التي ستكون بتطورها المثال لما يجب ان تكون اقتصادات البلدان العربية النفطية. ويبدو ان الامير اتخذ قرارًا اساسيًا بالاستثمار في صندوق سمي صندوق الرؤيا ، وهذا الصندوق أسسه ياباني اختصاصي في مواضيع الاستحواذ على الشركات الالكترونية الطليعية، اسمه ماساياتشي سون . وهذا الرجل اسس اوائل الثمانينات شركة تسويق لمنتجات الكترونية في طوكيو سماها “سوفت بنك” ، وقد حققت هذه الشركة نتائج جعلتها الشركة التي تسوق 80 في المئة من برامج المعلوماتية في اليابان قبل نهاية الثمانينات، وتوسعت شركته عالميًا بتملك العديد من الشركات الناشئة المتخصصة بالخدمات الالكترونية والبرامج الطليعية. وعام 2000 كانت ثروة هذا الرجل تفوق ثروة بيل غيتس، لكن انهيار اسهم الشركات الالكترونية عام 2000 دفع المستثمر الياباني الى حافة الافلاس، إلا أنه نجا منه بفضل امتلاكه نسبة 28 في المئة من اسهم شركة التسويق الالكتروني علي بابا ، وحين سوقت اسهم هذه الشركة عام 2014 صارت اسهم شركة “سوفت بنك” تساوي 140 مليار دولار.
استنادًا الى هذه الخبرة، أسس هذا المبادر الياباني مع خبير هندي اسمه راجيف ميسرا صندوقاً للاستثمار في الشركات المستحدثة والتي تتخصص في تطوير برامج خدماتية يمكن ان تحقق انتشارًا واسعًا. وصندوق الرؤيا رأس ماله، الاعلى في العالم لمختلف المؤسسات المالية التي تعمل في هذا الحقل، هو 100 مليار دولار. وقد شارك ولي العهد السعودي، عبر صندوق الاستثمار الحكومي السعودي، بنسبة 45 مليار دولار، كما ان شركة مبادلة أبو ظبي، التي يسيطر على قراراتها ولي عهد ابو ظبي، ساهمت بـ15 مليار دولار. أما حصة صاحب المبادرة ماساياتشي سون، فهي 28 مليار دولار.
السعودية وأبو ظبي تغطيان 60 في المئة من الاموال المتاحة لصندوق الرؤيا، لكن نسبة 60 في المئة من هذه الاموال هي قروض تستحق عنها فائدة سنوية بمعدل 7 في المئة تدفع كل ستة اشهر، وتالياً فإن السعودية أو أبو ظبي لا تتقبلان مخاطرة كبيرة، لان مؤسس الصندوق ملتزم 28 مليار دولار، والفوائد تؤتي السعودية وابو ظبي مردوداً فعلياً على كامل الالتزام لا يقل عن 5 في المئة سنويًا وهذه نتيجة مقبولة قياسًا بالاوضاع الحالية عالميًا.
يبقى ان مشروع نيوم قد بدأ فعلاً وبنجاح في العقبة، حيث أسس الدكتور صبيح المصري مشروعًا سياحيًا رائدًا على مساحة 4,5 ملايين متر مربع. والمشروع يؤمن ملعب غولف بمواصفات عالمية، وشاليهات ممتازة يمكن ربط يخوت اصحابها بمراسٍ أمام الفيلات أو الشقق السياحية، والفنادق التي يضمها مشروع نايا الذي انجزه الدكتور المصري تشمل بعض أهم الشركات العالمية مثل موفنبيك شيراتونغ وكمبينسكي و الخ.
مواصفات مشروع العقبة، توفير المياه والطاقة من مصادر مستدامة وهو أمر تحقق. كما ان صبيح المصري كان من رواد تطوير الزراعة والري واستخدام الطاقة المستدامة من اجل المحافظة على شروط البيئة وتحقيق وفورات في استخدام الطاقة في المملكة العربية السعودية وذلك منذ زمن ليس بقصير.
ان مشروع نايا يعتبر بداية التطوير على المستوى المطلوب وقد تحقق في العقبة المتاخمة لامتداد اراضي المنطقة الاقتصادية الانمائية الثقافية والسياحية والزراعية التي بدأ العمل على تنفيذها في السعودية. وجدير بالذكر ان منطقة العقبة تتمتع بنظام ضريبي خاص هدفه تشجيع المشاريع الصناعية والسياحية والثقافية. ولا شك في ان تكامل ما تحقق في العقبة مع المشاريع المرتقبة في المملكة امر مفيد للطرفين.