15-12-2020 | 00:00 المصدر: النهار


نغرق جميعاً… ونبقى في حالة إنكار
لنعرض الواقع. لا نفط ولا غاز في ظلّ تعثّر مفاوضات ترسيم الحدود مع اسرائيل، وبالطبع في ظلّ رفض اعتماد سياسة التطبيع مع الدولة العبريّة كما يجري مع دول عربيّة عدّة. وبالتالي لا مداخيل ولا موارد للبنان في ظل ازمته المالية الخانقة، وتعثّر مصارفه وفقدان الثقة بها، وعجزه عن سداد سنداته الدولية، وتراجع التحويلات على نحو دراماتيكي، وتحوّل التعامل المالي الى العملة النقدية بدل الدخول اكثر في المنظومة العالمية والعملة الالكترونية. ولا خطّة تسليح فعلي للجيش والقوى الأمنيّة في ظلّ العداء لاسرائيل في شرق أوسط جديد صار فيه اعداء التطبيع قلة منبوذة. ولا عودة لمرفأ بيروت إلى سابق عهده رغم قدرته التشغيلية، مع تنامي دور مرفأ حيفا وتوسّع الخطط في إطار طريق الحرير والمشاريع الجديدة لاستثمار النفط والغاز في المنطقة ربطاً بالعالم. لا إنقاذ للوضع المالي في ظلّ تعثُّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا تسويات مع المصارف المُراسلة في ظلّ حالة الجفاء مع الولايات المتحدة الأميركيّة ودول الغرب. وبالتالي استمرار في العجز غير المضبوط وفي تراجع قيمة الليرة اللبنانية في مواجهة كل عملات العالم. لا استثمارات ولا ودائع جديدة في المصارف، ولا مساعدات، في ظلّ ميل لبنان الرسمي إلى المحور الإيراني – السوري، المُعادي للدول العربيّة الشقيقة. وبالتالي لا أمان للبنانيّين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً مع بدء غزو الشركات الإسرائيليّة الأسواق. لا سيّاح إلى لبنان في ظلّ أوضاعه غير المُستقرّة ومنع السفر إليه من دول وحكومات، بل بدء هجره إلى وجهات اخرى. ولا سياحة استشفائيّة بعد اليوم بعد هجرة عدد من الأطبّاء، وتحديداً إلى دبيّ.
ولا أمان ولا استقرار للبنانيّين في بلدهم في ظلّ طبقة حاكمة تتقدّم مصالحها وخصوماتها على كلّ المصالح الوطنيّة الكبرى، وتجهد لتوريث أبنائها وتكديس ثرواتها، بدل العمل على بناء مؤسَّسات ووطن. طبقة مُهترئة تذهب بالبلاد إلى قعر القعر، وتغرق الوطن مثل “تايتانيك” على وصف وزير الخارجيّة الفرنسي أوّل من أمس. لا مستقبل مع هؤلاء، لأنّهم من الماضي، ولو لبسوا حلّة جديدة، فكلامهم معسول، ووعودهم كاذبة، وولاءاتهم مشكوك فيها، وهم يعتمدون سياسة “ألف قلبة ولا غلبة” للمحافظة على مواقعهم المُتوارثة. ولا دين ولا عقل مع الطوائف اللبنانيّة المُتناحرة، والمُنشغلة عن الإنسان بأمور البناء والتجارة، وإقامة المؤسَّسة التي في أساسها الخدمة، لكنّها غالباً ما تجنح إلى تحقيق المكاسب الماديّة. هل يعني ذلك كلّه أن الأمل بالبلد مقطوع؟ ليس ذلك صحيحاً، لكنّه يصير واقعاً مؤبداً إذا لم يمضِ الشعب اللبناني إلى صنع التغيير، والقضاء على هذه الطبقة الفاسدة فكراً وعملاً وقولاً. الثورة، أو الانتفاضة، سقطت العام الماضي في آتون الخلافات، بعدما انطلقت بنجاح، ولا يتّسع المجال هنا لتقييمها ودرس أسباب تراجعها، لكن الأكيد أن اللبنانيّين لم ينتصروا لها كفاية، وبالتالي لم يجهدوا للتغيير، لبناء مستقبل آمن لهم ولأبنائهم. ربما حان وقت التغيير الحقيقي، خوفاً من ضياع مستقبلنا، لأننا حالياً نتفرج على غرقنا، ونحن “في حالة إنكار تام … ولا توجد حتى موسيقى”.