الرئيسية / أخبار الاقتصاد / نصفُ الـ 1000 … دعمٌ دولي لثبات الليرة

نصفُ الـ 1000 … دعمٌ دولي لثبات الليرة

8 شباط 2017

التزامن بين صدور التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي حول الاقتصاد اللبناني واقتراب ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري هو، بالطبع، مجرّد مصادفة.
لكن الرابط في الأذهان بين المناسبتين هو أن صندوق النقد الدولي عكس في تقريره الأخير أقوى وأوضح تأييد لسياسة تثبيت سعر الصرف، التي أرساها الرئيس الشهيد ثمّ تعهّدها مصرف لبنان ولا يزال.
وسط الجدل الداخلي المستمرّ حول جدوى الالتزام بتثبيت سعر الصرف والاعتراضات عليه، القديمة أو الجديدة، الموضوعية أو المبتذلة، نوّه الصندوق في تقريره المشار إليه بأهمّية هذه السياسة وبكونها الهدف الأسمى للسياسة النقدية في لبنان، وحضّ المصرف المركزي على تعزيز احتياطاته بالعملات الأجنبية لكي يستمرّ في حماية الاستقرار في سوق القطع.
ولهذه الغاية، نصح صندوق النقد المصرف بأن يكون مستعدّا لرفع معدّلات الفائدة إذا استمرّ التراجع في التدفقات المالية الخارجية الذي بدأ منذ منتصف 2015. لكن مصرف لبنان لن يسير بخيار رفع الفائدة نظرا الى آثارها القاسية على المدينين: الدولة والمؤسّسات الخاصّة، ومئات الألوف من المواطنين المستفيدين من القروض السكنية والقروض المصرفية الصغيرة.
خيار تثبيت سعر الصرف، كهدف رئيسي للسياسة النقدية، بدأ مع تولّي الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية أوّل مرّة. ونيطت هذه المهمّة بمصرف لبنان، الذي نفّذها على أكمل وجه منذ قرابة ربع قرن، ولا يزال ملتزما بها.
وللذكرى، في الأشهر الأولى لرئاسة رفيق الحريري للحكومة، وقبل تعيين الحاكم رياض سلامة وفريقه، شهدت سوق القطع لفترة محدودة توترا شديدا وطلبا كثيفا على العملات الأجنبية. وطلب الرئيس الشهيد رأي المصرف المركزي في الوضع النقدي المستجدّ، فنُصحَ بألا يتعهّد الاستقرار الفوري في سوق القطع أو فرض سعر صرف معين لليرة اللبنانية، لأن هذا الخيار مرهقٌ للدولة وخزينتها وهو خيار غير مضمون النتائج. بدلا من ذلك ينبغي أن تتعهّد الحكومة تحقيق الإصلاح المالي وتنظيف مالية الدولة وإلغاء عجز الموازنة، فهذا الطريقٌ يوصل بالنتيجة إلى استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية من دون كلفة على الدولة والمجتمع.
تحمّسنا لهذا الاقتراح وقتذاك، قبل أن تثبت الأيام أنه لا يأخذ في الاعتبار واقع السياسة والحكم في لبنان، الذي يجعل النظام عاجزا عن أي إصلاح.
لو تركت الحرية لسوق القطع بانتظار إصلاح مزعوم، وموهوم، لتلافى لبنان جزءا من التضخّم المفرط في الدين العام، ولكنه، في المقابل، كان سيُبتلى بانفجارات نقدية واجتماعية تقوده على الأرجح إلى الفوضى والعنف، والانهيار.
هذا الخيار في حالتنا اللبنانية هو أقصر الطرق للانهيار النقدي والانفجار الاجتماعي، لأن الإصلاح المالي لن يأتي مهما طال الانتظار. فالدولة التي عجزت عن اتخاذ أبسط القرارات لحل مشكلات ثانوية لا يمكن أن نتوقع منها قرارات استراتيجية لإنهاء مشكلة المالية العامّة المزمنة والمستعصية. إن تجارب الدول الأخرى تثبت أن قرارات الإصلاح المالي صعبة وباهظة، وهي تشمل زيادة الضرائب وخفض الانفاق الاجتماعي، مما يتطلب أقوى تضامن بين القوى السياسية لمواجهة الاعتراضات الشعبية الحادّة لبرامج الإصلاح. وهذا أمر مستحيل في بلد المزايدات السياسية والفردية والبحث الأبدي عن المصالح الفئوية والأنانية.
في المقابل، فإن السياسة المتبعة، بالتزامن مع فشل إدارة الدولة وسياستها المالية، أدت إلى تضخّم دين القطاع العام وتحميل مالية الدولة أعباء الفوائد التي تجاوزت ستين مليار دولار منذ سنة 1993، بينما لم تتجاوز النفقات الرأسمالية 20 مليار دولار، أو 9% من مجموع الإنفاق العام. وقد ساهم هذا الواقع في زيادة المعوّقات أمام النموّ الاقتصادي، ليس بسبب نضوب نفقات الاستثمار في الموازنة فحسب، بل بسبب استقطاب القطاع العام ما يوازي 60 بالمئة من موجودات المصارف، وجعل تمويل القطاع الخاص وظيفة ثانوية لنظامنا المالي والمصرفي.
خلاصة القول، وباختصار، إن منافع الاستقرار النقدي تحتسب نجاحا لمصرف لبنان وسياساته، أما كلفته الباهظة فمسؤوليتها معلّقة في رقبة النظام السياسي.

اضف رد