الرئيسية / home slide / نائب الرئيس

نائب الرئيس

24-05-2023 | 00:40 المصدر: “النهار”

سمير عطالله

سمير عطالله

من أمام قصر بعبدا.

من أمام قصر بعبدا.

تخيّل الآتي: نظام ديموقراطي شرطه الأول منصب الرئيس لكي لا يقع البلد لحظة واحدة في الفراغ الرئاسي، كما حدث يوم اقسم ليندون جونسون اليمين الدستورية على الطائرة التي تحمل جثمان جون كينيدي الى واشنطن.

سوف تقول أنه اقتراح معقول في بلد مسيحيوه مطمئنون. جواب: تبقى نيابة الرئاسة لمسيحي، يحل في الحالات الطارئة محل الرئيس الماروني، ولا تتعطل حركة الدولة، ولا يشل البلد، ولا يصبح كل منصب بالوكالة، ولا يتفضل علينا ورثة روما القانونية بتحويل البنك المركزي الى شيء اشبه بدكان مفلس، وضعنا عليه حراسة قضائية. وشمع احمر.

في مثل هذه الحال، يمكن ان يكون لديك، موقتاً، أو لست سنوات، رئيس بروتستانتي مثل ايوب ثابت، ارثوذكسي مثل فؤاد بطرس، ارمني مثل خاتشيك بابكيان، كاثوليكي مثل فيليب تقلا. وفي غضون ذلك يرتاح الموارنة، ويعملون على الاتفاق على مرشحهم: نجل، أو حفيد، اوصهر، أو سوى ذلك.

وإلا سوف نظل إلى الأبد بلداً بالوكالة وفي الانتظار، وليس عندنا صاحب توقيع على معاملة، او حكم، أو التحقيق في سوء ائتمان.

كان الرئيس #ميشال عون قد وعد بأن يسلم لبنان بأفضل مما تسلمه، مع أن خلفه يأتي بالانتخاب لا بالتعيين. لكنه سلم البلد الى الفراغ والغياب والمجهول. اما هو أو مرشحه الوحيد، أو ما حصل.

حاكم آخر كان أحرى به ان يسلم امانته الدستورية سالمة، لكنه اعتبرها مملكة دائمة ومُلك مطلق. اعطى بلا حساب واخذ بلا حساب، وبدل ان يستخدم شبه قداسة المنصب اعطى الأغنياء وأفقر الفقراء. ولم يتطلع لحظة الى صور اسلافه على الجدار: فيليب تقلا، والياس سركيس، وميشال الخوري، وادمون نعيم، الذي حَرسَ البنك بصدره.

الآن الرئيس عون يلوم الذين مددوا لرياض سلامة، لكنه لا يقول من هم، ولا من له حق التمديد. منظومة! لم يعرف سلامة، مهندس التوزيعات كيف يهندس ساعة الخروج، ولطول ما طالت المخالفات دون أن يسائله احد، ظن ان يوم الحساب لا يمكن ان يمر به. لكن يوم الحساب لا يعفي احداً. خصوصاً عندما يبدأ الوشاة بفضح بعضهم البعض. حاذر الشركاء عندما يضعفون والمستفيدين عند انقطاع الفوائد.

لا اعداء رياض سلامة ولا فرقته، يسرهم ان ينتهي حاكم مصرف لبنان الى مذكرة من الانتربول يعلن انه سوف يحاربها “باشارة”. اين تضيع حنكة الشطّار في هذه الحالات؟ ولماذا تفوتهم دائماً حكمة “الفرد دوفيني”: “الباب إما أن يفتح أو ان يغلق”. ظن الحاكم انه سيخرج من كرسيه الى كرسي الرئاسة. خداع بصري أو عمى الوان.

كل شيء من حولنا يدعو الى الشفقة، لا الى العطف. منظومة باسرها تلعب علينا لعبة “الثلاث ورقات”. الورقة الثالثة دائماً رابحة، وهي دائماً في يد صاحب اللعبة. أو هكذا يحسب، لكن يأتي يوم وتسقط معها الورقات والالعاب والسحر.

ظن الحاكم انه محمي بفساد سواه. وهذا ما ظنه ويظنه سواه ايضاً. الجميع سواسية – كلّن يعني كلّن. ولبنان هو لبنان.

بلد منشور على صنوبر بيروت وبوليفارات العالم.

يقول الرئيس سامي الصلح في “لبنان: العبث السياسي والمصير المجهول” إن القضاة الفرنسيين ايام الانتداب كانوا يراعون القانون خوفاً من نزاهة القضاة اللبنانيين. وسمي الصلح “بي الفقير” لأنه قدّم قضاياهم ورغيفهم على كل قضية أخرى. ووقف قاضياً ووزيراً ورئيس وزراء ضد “اثرياء الحرب” وتجار الاحتكار وصغار وكبار الفاسدين.

كان سامي الصلح رجلاً ذهبياً، وكذلك كان عصره. وكذلك كان عصر رياض الصلح وعائلات الأوادم واحباء الشعب، وليس الشعبيّون ونقاقو الضحالة وانبياء الخواء. هؤلاء حوّلوا لبنان الى طبقة من الفقراء والمعوزين والبؤساء الصامتين. ساروا في جنازة المؤسسات وهم يتطلعون الى الجهة الأخرى. بيلاطس يفرك يديه ناسياً ان أثار الدم تمحى، لكن رائحته تبقى الى الدهور. هكذا نزل بيلاطس في التاريخ المدني وفي التاريخ المسيحي على انه خادع البشر في كل التواريخ الصعبة وامتحانات الضمير.

طبعاً هناك دائماً فرق من المرتزقة وصغار الكتبة والكذبة. لكنهم ينالون جميعا ما استحقوا، ويبادلون بما اعطوا. هذه الجبال من دلائل اللاشيء، لا يمكن ان نسمّيها صنين.