الرئيسية / مقالات / مُواطِنٌ “أوف شور”

مُواطِنٌ “أوف شور”

عندما تقلع طائرة الميدل إيست لتقلّكَ الى بلدٍ آخَر، ينتابُك شعورٌ أشبَهُ بِشُغور. يشغرُ مقعدُك كمواطن في لبنان لتصبِح مُواطِناً أممياً. مواطن أجواء إقليمية. مُواطِن “أوف شور” عابر للضرائب. وأنتَ على هذا الارتفاع تأخذ حمّامًا روحياً. تغتسل بالشَّفق. تتليّف بالسُّحُب. تتنشّف بالشّمس. يصبِحُ وطنُكَ حالة ذهنيّة. فكرة مجرّدة وخَطرَة بال. فجأةً يزيدُ منسوب النّقاء ويعتريكَ التأمّل. ناطحات سخافة في وطنِك. الزواحِف والضواري تحكمُ بالمخالِب وتسرق بالرّفش. حَباهُم الله جنّة. أودعها الكتب المقدّسة فأكلوا أخضَرَها وحرقوا يابسَها. إحدى أصغر الدول في العالم، لبنان، تحظى بأكبر عدد من النشّالين. سياسيون تربّوا على السبي وقنص الفرص. تعلّموا السرقة في مدرسة الحرب. نشَلوا محفظة وطن. أفرغوا حقائب الأمهات من “خرجيّة” الأولاد. أفرغوا وما فَرِغوا. وأنا على ثمانية وثلاثين ألف قدم أراهُم خفافيش الوَطَن. جمهورية أدغال. قبوط يأكل زرزورا وحرباء تأكل قبّوطا. دودٌ يسمسرُ على بقايا دودة. حيث أنا، يطغى هدير محرّك البوينغ على أبواق المواكب. على مكافحة الفساد. فساد مكتوم القيد. جنسيّته قيد الدّرس. هنا زحمة على المراحيض بمياه مقطّرة. تحتنا مياه مبتذلة ومراحيض سياسيّة. طبقة سياسية “قشّة لفّة” ما عدا السهو والغلط، في حاجة الى بوينغ عملاقة تقلّها الى جهة مجهولة. حتى لا يصبِحُ الوَطَن طائرة يجب اختراع بطل. بطل يسكن في قصرٍ من أحزان ويتنزّه في حديقَةِ الثورة. ربَّان. تماماً مثل ربّان البوينغ. يطمئننا الى المطبّات. يربطنا بحزام أمان وطني. يحطّ بنا بسلام في مطارات انتظاراتنا الحزينة. كتلٌ هوائية على مسارِ رحلَتِنا. كِتلٌ سياسيّة على مسارِ دولتِنا. الأولى ضباب والثانية سَراب. انهيار التسوية بين تيار وتيار. تركت لبنان على هذا النبأ. تحطّم طائرة أهون على اللبنانيين من تحطيم وطنهم. تيارات تأكله. تيارات تهضمه. والأنكى مصفّقون من هنا ومن هناك أفقرتهم التيارات ولا يزالون يسبحون فيها. يتهافتون على بيوت الزعماء مثل حبش العيد. محشوون بالوعود ومشويّون بالكذب. الخوف أن يعلو تصفيق الأيدي على صَفِيق الأجنحة. لا لقاح ضدَّ دود الخلّ. من حيثُ أنا وعلى قاب قوسٍ وأدنى من المطلق، أعرف مكان إقامة البطل. رأيته من شاهِقٍ يسكن لحظةَ غَضَب، فَهَل؟

اضف رد