06-03-2021 | 00:08 المصدر: النهار


البابا الراحل يوحنا بولس الثاني يقبّل القرآن
موضوع أثار جدلاً كبيراً في الاوساط الاعلامية، كما في الاوساط الدينية المسيحية والاسلامية على السواء، بعدما قبّل البابا (الراحل) القديس #يوحنا بولس الثاني، كتاب المسلمين المقدس “القرآن الكريم” عندما زاره بطريرك الكلدان (الراحل) روفاييل الاول بيداويد ومعه أعيان من العراق وجهوا اليه دعوة لزيارة وطنهم، وقدموا اليه الهدايا، وبينها نسخة مزخرفة من القرآن، حملها يوحنا بولس الثاني وقبّلها، في اشارة منه الى تكريم مقدّسات ابناء الديانات الاخرى دفعاً لحوار على مستوى العالم يساهم في مساعيه لبناء السلام. واذا كان البابا تمنى آنذاك ان يزور العراق مهد النبي ابرهيم ابي الاديان الثلاثة كما يقول التقليد الديني، فان التطورات اللاحقة وجسده المنهك منعته من اتمام مقصده، في ظل وفاة بيداويد في العام 2003 ووفاة البابا في 2005، ليحط اليوم سلفه البابا فرنسيس في بلاد الرافدين حاملاً رسالة رجاء، محاولاً، ربما من عبث، إسماع المتحاربين، صوت سلام، وزارعاً في اوساط من بقي من المسيحيين، خصوصا الكلدان والسريان، رجاءً وأملاً للثبات وعدم الهجرة، في دعوة لعدم افراغ الشرق من مسيحييه، وجعله لوناً واحداً كما ارادته المخططات الصهيونية لشرعنة دولتها الدينية. الجدالات العقيمة التي دارت في حينها راوحت بين مسيحيين متطرفين اعتبروا انه يجدف تجديفاً لانه لا يمكن لرأس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في العالم ان يقدِم على عمل مماثل في ظل التباعد في الكثير من العقائد والقضايا الايمانية، فيما كان غلاة المسلمين يعتبرون انه اعلن اسلامه واعترف بصحة كل ما ورد في القرآن ولو كان يناقض تعاليم الكنيسة، بما يؤكد ادعاءهم بان الانجيل الحالي محرّف. لم يتمكن هذا وذاك من فهم الخطوة الرمزية وتقبّلها، بما يؤكد دائما ان ليس لدى المتطرفين والاصوليين متسع لقبول الآخر بأفكاره ومعتقداته، وان مساحة العقل والفهم لديهم تتقلص الى الحدود الدنيا. لكن البابا لم يتراجع اذ كان يصر على عقد لقاءات تأمّل وصلاة مشتركة لرب الاكوان، لان التعاون في الشأن الاجتماعي والمدني والاخلاقي واجب انساني، ونقيضه لا يجعل للايمان قيمة، لانه يدفع الى التقاتل والحروب وارتكاب المجازر ضد الانسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله وميّزه عن باقي الكائنات كما يعتقد المؤمنون في مختلف الاديان. وكان البابا الراحل التقى في بريطانيا الملكة إليزابيت الثانية رئيسة الكنيسة الأنغليكانية، ووقع وثيقة تعاون مع البطريرك المسكوني للروم الارثوذكس برثلماوس الاول في لقاء جمعهما في القدس، وفي العام 2000 كان أول بابا يزور مصر حيث التقى رأس الكنيسة القبطية آنذاك البابا شنودة الثالث وإمام الازهر الشريف، كما كان أول بابا يزور سوريا عام 2001 وأول بابا يزور مسجدًا حينما قصد الجامع الأموي في دمشق، وصلّى أمام قبر يوحنا المعمدان، وألقى في الجامع الأموي عظة دعا فيها المسلمين والمسيحيين واليهود للعمل معًا. وفي العام 2000 ايضا زار القدس وكان أول بابا يصلي امام حائط البراق، وفي أيلول 2001، وبعد موجة الخوف من الإسلام التي انتشرت في العالم الغربي عقب هجمات 11 ايلول زار قازاقستان ذات الغالبية المسلمة، كما زار أرمينيا للاحتفال بمناسبة 1700 سنة على دخول المسيحية إلى هذا البلد. ويسير سلفه فرنسيس على الخطى ذاتها للتقارب مع المسلمين، كما مع اليهود، وابناء الديانات الاخرى، ولا تزال صورة الزعيم الروحي لـ1.3 مليار كاثوليكي وهو يقبّل في أبوظبي إماماً سنياً، أمام ممثلين عن جميع الطوائف قبل ان يوقع على “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، وهي “إعلان مُشتَرك عن نَوايا صالحةٍ وصادقةٍ من أجل دعوةِ كُلِّ مَن يَحمِلُونَ في قُلوبِهم إيمانًا باللهِ وإيمانًا بالأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ أن يَتَوحَّدُوا ويَعمَلُوا معًا من أجلِ أن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ دليلًا للأجيالِ المقبلة، يَأخُذُهم إلى ثقافةِ الاحترامِ المُتبادَلِ، في جَوٍّ من إدراكِ النِّعمةِ الإلهيَّةِ الكُبرَى التي جَعلَتْ من الخلقِ جميعًا إخوةً”.واليوم، يلتقي البابا فرنسيس المرجع الأعلى لعدد كبير من الشيعة في العراق والعالم، آية الله علي السيستاني الذي تصدى لنظرية ولاية الفقيه وتمكن من إعادة تحديد دوره ليصبح ليس المرجعية الدينية فحسب، بل السياسية أحياناً وسط فوضى عارمة في العراق. انها مسيرة طويلة من دفْع الحوار الانساني قدماً، لكنها لا تجد ترجمتها الحقيقية على ارض الواقع، خصوصا في العالم الاسلامي الذي يحتاج الى مسيرة اجتهاد جدية لازالة ما علق في الاسلام عبر التاريخ من اعتماد العنف والقوة سبيلاً الى الله.