الرئيسية / home slide / ميقاتي: لم أتعمّد الخطأ وتجاوز الحدود عندما تناولت موضوع “التراجع السكاني المسيحي”

ميقاتي: لم أتعمّد الخطأ وتجاوز الحدود عندما تناولت موضوع “التراجع السكاني المسيحي”

20-03-2023 | 00:15 المصدر: “النهار”

ابراهيم بيرم

ابراهيم بيرم

الرئيس نحيب ميقاتي.

الرئيس نحيب ميقاتي.

منذ إطلالته الاعلامية الطويلة اخيرا على احدى الشاشات المحلية، ورئيس حكومة تصريف الاعمال #نجيب ميقاتي تحوّل هدفاً لحملة اعلامية – سياسية ممنهجة. واللافت ان التّهم الموجهة اليه من جانب منظمي تلك الحملة تتلخص بـ:

– أنه أثار مسألة “#ضمور الوجود” السكاني المسيحي وتراجعه الى نسب رقمية غير مسبوقة، متحدثا عن ان “هذا الامر المؤسف ينطبق ايضا على سوريا وفلسطين والعراق”.

– وأبدى خلال تلك الاطلالة عزمه على اثارة هذا الامر في لقائه المقرر آنذاك مع بابا الفاتيكان، وهو اللقاء الذي حصل قبل يومين.

وحيال ذلك، فان السؤال المُثار في العديد من الاوساط هو: هل ان هذا السياسي المخضرم قد اجتهد فأخطأ، أم انه اشتطّ وتطاول وتعمّد “الحكّ على جُرح البعض” فاستلزم ذلك المسارعة الى “رجمه سياسيا” و”فضحه على رؤوس الاشهاد”؟ وقد تصدرت تلك الحملة قوة سياسية مسيحية معروفة بأنها اعتمدت منذ زمن اسلوب “المشاكسات وافتعال الاشكالات” بشكل دائري مع كل مَن عارضها اسلوب عمل وحياة.

ليس خافيا ان منسوب هذه الهجمة قد ارتفع الى ذروته فيما كان الرئيس ميقاتي قد وصل الى حاضرة الفاتيكان وفي نيته المعلنة ان يعرض لرأس الكنيسة الكاثوليكية بعضاً من المعاناة القاسية للبنان من جراء استمرار الشغور الرئاسي المتلازم مع مكابدة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، خصوصا بعد الانهيار الكبير في قيمة العملة الوطنية وتعثّر القطاع المصرفي.

في قرارة نفسه ان الرئيس ميقاتي المعروف برزانته وحكمته في اطلاق المواقف، مطمئن كل الاطمئنان الى انه لم يرتكب هفوة او خطيئة ولم يتعمد الشطط وتجاوز الحدود عندما القى بعض الاضواء على اشكالية وجودية مكشوفة سبق ان جرى التداول بها علانية منذ اعوام في اوساط ومحافل مسيحية معنية (جهات دينية واعلاميون وخبراء في الديموغرافيا وعلم الاجتماع وديبلوماسيون…)

وقد أفصح الرئيس ميقاتي في خلال تلك الاطلالة المتلفزة عن تقارير ودراسات معززة بالارقام وصلت الى رئاسة الحكومة أعدّتها ووضعتها جهات معنية وموضوعية تظهر حجم “التراجع السكاني المسيحي” بفعل الهجرات الى الخارج، والتي علت منسوباً في الآونة الاخيرة.

وبمعنى آخر، ووفق مصادر الرئيس ميقاتي، انه تعامل مع كل هذه المعطيات وقارب كل هذه الوقائع العنيدة على اساس انها “غدت تنمّ عن اشكالية وطنية كبرى من شأنها ان تفضي حتما الى خلل سياسي فاضح وفادح سينعكس ولاريب على كل معادلات البلد وتوازناته، واستطرادا على هويته الوطنية التاريخية”. ولم يكن يقصد اطلاقا في مقاربته تلك لهذه المسألة التي يدرك سلفا مدى حساسيتها ومدى تحسّس البعض من اثارتها في هذا التوقيت بالذات، ان ينصّب نفسه ناطقا بلسان الطائفة المسيحية التي يدرك انها طائفة سبق لها ان فرزت قواها السياسية، وانه ربما خلافاً لسواها من الطوائف اللبنانية تذخر بدينامية وحيوية عاليتين. وهو ما يجد مصداقاّ له في تعدد القوى السياسية لهذه الشريحة اللبنانية، في حين ان الطوائف الاخرى، اي الاسلامية، تفتقد هذه الميزة وهذه الفرادة وهو ما تحوّل لاحقا الى مصدر شكوى من “استئثار او حصرية او ثنائية” عند باقي المكونات الطائفية اللبنانية.

ويؤكد المتحدثون بلسان ميقاتي انه عندما اثار الموضوع اعلاميا اخيرا وقاربه على نحو ما قاربه، فانه انطلق من منطلقات مغايرة لما يلصقه به البعض، ومنها:

– ان اطالة أمد الشغور الرئاسي وتمديد عمر الازمة السياسية التي تتخبط بها البلاد منذ نحو ثلاثة اعوام، انما تعكس نفسها ازمة وطنية عامة قابلة للاتساع والتمدد على نحو يزيد الخلل البنيوي الاجتماعي الحاصل، واستطرادا يرفع منسوب هجرات المسيحيين وخصوصا الفئة الشابة الواعدة.

ولقد بات معلوما ان الرئيس ميقاتي ما قال هذا الامر من فراغ أو من باب الافتعال، بل انه وكما كشف كان على وشك المضي الى الفاتيكان للقاء بابا روما. وكان من البديهي، وهو يشغل منصب رئيس حكومة تصريف اعمال في فترة شغور رئاسي، ان يرفع الصوت عاليا بشكل يومي داعيا من بيده الحل والربط الى المسارعة لملء هذا الشغور، وان يحمل معه الى رأس الكنيسة الكاثوليكية بعضا من فصول معاناته هو شخصيا في ظل استمرار الفراغ ومن معاناة البلد عموما والشريحة المسيحية خصوصا وذلك على رجاء ان يجد لديه الدعم والمساعدة، وهو ذو المكانة الرفيعة والتأثير المشهود.

واذا كان ثمة فريق سياسي (“التيار الوطني الحر”) قد ساءه ان يصل ميقاتي الى تلك الصروح والمقامات المسيحية، فسارع الى الاستثمار والتمويه فحرّف اولا كلام ميقاتي الاعلامي ومن ثم وظّفه وفق ما يشاء، علما ان الجميع يعرف ان هذا الفريق يبحث دوما عمن يناصبه العداء ويفتح معه خطوط تماس بشكل دائري تحت عناوين شتى.

لذا فان “شهادة” هذا الفريق الذي يتصدر المعركة ضد ميقاتي ليست “نزيهة” ولا يمكن اعتمادها والبناء عليها، فهي شهادة مَن يتصرف “على اساس اننا أعداء له”.

لكن الاكيد، تستطرد المصادر عينها، ان في الوسط المسيحي الروحي والسياسي مَن يشهد للرئيس ميقاتي شهادة مخالفة تماما انطلاقا من معرفته بالعلاقة الوطيدة التي تربطه ببكركي، وهي علاقة يومية قائمة على “الاحترام والتفاهم”، فضلا عن علاقات تربطه بالمرجعيات المسيحية الاخرى.

ومما لا شك فيه، بحسب المصادر اياها، ان الرجل الذي يحيط نفسه بفريق عمل منوع طائفيا وعماده شخصيات مسيحية وازنة، لا يمكن لأحد ان “يخرجه عن خطه الوطني ويحشره بزوايا طائفية”.

وعليه فان ميقاتي يعتبر صراحة ان “الحرب الظالمة” التي تُشن ضده هي “اشبه بحرب طواحين الهواء”. ولكن بالنسبة اليه ان من دواعي اسفه “هذه الفوضى وهذا الاسفاف في التعاطي السياسي من جانب افرقاء جُلّ همّهم ان يضعوا العراقيل امام أي مساعي انفراج وعبر رشقهم الناس بهذا اللون من التّهم”.

وبناء عليه، فان ميقاتي على ثقة بانه لم يخطىء ولم يتجاوز الحدود عندما تناول موضوعا يدرك انه على قدر من الاهمية والحساسية.