30-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”
ميشال شيحا.
أنطوان مسرّه*
#ميشال شيحا هو من أبرز الكتّاب المعرضين لسوء الفهم ويحتاجون الى مزيد من الدراية والتعمّق. تكمن خطورة سوء الفهم في عدم اقتصاره على الجانب الفكري. انه يزعزع شرعية البنيان الدستوري اللبناني légitimité في الادراك الجماعي ويهدد الكيان والمواطنية المركبة والبانية للدولة ويعمّم الاغتراب الثقافي وايديولوجيات اقصائية في البناء القومي.
يتوجب بعد اليوم معالجة هذا المسار في الاغتراب والتشويه من قبل الذين لم يتابعوا الأعمال الدولية المقارنة منذ سبعينيات القرن الماضي، وأهمها مؤتمر اليونسكو في Cerisy-La-Salle في فرنسا حول “أنماط البناء القومي” (1971)، والأعمال المقارنة حول أشكال الفدرلة والإدارة الذاتية الحصرية، وأعمال معهد الفدرالية في فريبورغ في سويسرا سنة 1986، والاجتهادات الدستورية العالمية والمقارنة حول قاعدة التمييز الإيجابي ومعاييرها الناظمة. لم يعد اجترار تعبير “الطائفية” بريئًا بدون توضيح مضامينه. يستعمل ميشال شيحا التعبير بين مزدوجين. يتحوّل التعبير في سجالات الى مزبلة يرمي فيها قانونيون (ولا نقول حقوقيون) ومثقفون بدون خبرة كل ما لا يدركون منهجيته والوسائل العلاجية الحقوقية.
لا يتوفر اختباريًا دستور آخر للبنان غير الدستور القائم! يتضمن هذا الدستور، في نصّه وروحيته، كل المسارات المعيارية في سبيل التطوّر. لم تأتِ وثيقة الوفاق الوطني-الطائف بجديد، بل كرّست ثوابت في انسجام مع طبيعة النظام البرلماني التعددي اللبناني الذي يخضع لكل قواعد الأنظمة البرلمانية مع دمجه سياقات تنافسية وتعاونية في آن في سبيل الإدارة الديمقراطية للتنوّع الديني والثقافي.
في اطار محاضرات في كلية حقوق في لبنان أردت تخصيص حصتين حول قاعدة التمييز الإيجابي discrimination positive الواردة في المادة 95 من #الدستور اللبناني والتي هي مطبّقة اليوم بأشكال متنوعة ومعيارية في أكثر من ثلاثين بلدًا في العالم. كانت ملاحظة مدير الكلية: “علمهم قانون دستوري”! لا تريدون الدراسة المنهجية العلمية لقاعدة التمييز الإيجابي وشروط وحصرية تطبيقاتها المعيارية: خذوا اذًا زبائنية ومحاصصة!
يتضمن تعبير “طائفية” في الاستعمال المتداول ثلاثة شؤون متمايزة في التشخيص وفي المعالجة:
1. الإدارة الذاتية أو الفدرالية الشخصية (المواد 9، 10، 19) في سياق نظرية التعددية الحقوقية
pluralisme juridique .
2. قاعدة التمييز الإيجابي أو الكوتا discrimination positive (المادة 95) التي تهدف الى تجنّب العزل الدائم.
3. الذهنيات الطائفية.
هل يؤدي بالضرورة اعتماد نظام مدني عام للأحوال الشخصية الى ضمان عدم العزل الدائم؟ وهل الغاء قاعدة التمييز الإيجابي يؤدي بالضرورة الى معالجة الذهنيات الفئوية ومخاطر استغلالها النزاعية في التعبئة السياسية؟ يتمتع لبنان “اليوم بأفضل الأوضاع في سبيل التطبيق الحصري والمعياري لقاعدة التمييز الإيجابي، لكن التطبيق والاستغلال الزبائني والمخادعة هي الأسوأ عالميًا!
***
ليس هذا العرض دفاعًا عن الصيغة كما يقال. انه حث على التفكير العلمي المنهجي والبحث الحقوقي المعياري والاستنتاجي. تتضمن المادة 95 مسارًا في هذا السياق على نمط لجنة Bernard Stasi في فرنسا سنة 2003 حول العلمانية في فرنسا، وعلى نمط لجنة Bouchard-Taylor في كندا سنة 2007 حول التسوية العقلانية. انه بشكل أكثر بساطة مسار الهند حيث تم خلال ثلاثين سنة تشكيل عشرين لجنة لدراسة تطبيق التمييز الإيجابي تجاه طبقة ما يُسمى المنبوذين انسجامًا مع مبادئ الكفاءة والمصلحة العامة.
لا يجوز أن تضم اللجنة المتخصصة الوارد ذكرها في المادة 95 من الدستور لمعالجة “الطائفية” و”الطائفية السياسية” (والتعبيرين متمايزين) ايديولوجيين ومثقفين بدون خبرة أو في اغتراب ثقافي ولا شعبويين مخادعين، بل خبراء مجدّدين، وبالضرورة متعددي الاختصاصات، في سبيل قراءة معاصرة ومقارنة وعلى المستوى العالمي لفكر ميشال شيحا والآباء المؤسسين لميثاق لبنان والكيان اللبناني.
الحاجة، في مواجهة ايديولوجية صهيونية حول المساحة-الهوية espace identitaire ومقولة: “لبنان خطأ تاريخي وجغرافي” الى القراءة المعاصرة والمقارنة للنظام الدستوري اللبناني في تكامل مع انتاج ميشال شيحا والآباء المؤسسين.
انساق بعض الذين سعوا لمتابعة الأبحاث المقارنة منذ سبعينيات القرن الماضي حول الأنظمة البرلمانية التعددية في اعتبار هذه الأبحاث عقيدة doctrine وواجهوا هذه الأبحاث ايديولوجيًا أو سعوا للتلاعب بالتعددية لضربها. هذه الأبحاث المقارنة هي تصنيف / classification typologie لأنظمة قائمة لم تبتدعها مخيّلة باحثين. الحاجة بالتالي الى اغنائها من خلال دراسة حالات والشروط المعيارية في خصائص حوكمتها الرشيدة.
*كرسي اليونسكو – جامعة القديس يوسف