
- سركيس نعوم
- 24 آب 2020 | 00:02
- النهار

لا تزال المعلومات الواردة من عواصم غربية عدّة ترجّح أن تكون إسرائيل تسبّبت مباشرة بمجزرة بيروت ومرفئها باستهدافها يوم الرابع من آب الجاري ما تؤكده دائماً وهو وجود مستودع أسلحة وذخائر لـ”حزب الله” فيه كما في معابر أخرى لبنانية مع الخارج. ولا تزال التحقيقات اللبنانية الجارية والمتعلقة بالعنبر رقم 12 والـ2750 طناً من نيترات الأمونيوم التي خزّنت فيه بعد دخولها لبنان عام 2013 تشير بشيء من الثقة الى مسؤولية عدد مهم من الموظفين الكبار في إدارتي الجمارك والمرفأ، كما في مؤسسات أمنية وعسكرية عدّة عن المجزرة المذكورة وعن الدمار شبه الشامل الذي لحق بالعاصمة بيروت جرّاءها لإهمالهم المتعمّد وغير المتعمّد. فضلاً عن أن الضغط الشعبي غير الشامل في البلاد مستمر في السعي لمعرفة إذا كان للسياسة والسياسيين فيها اشتراك في الإهمال وتالياً في المسؤولية أو في التواطؤ. في اختصار لا بد من الإشارة هنا الى صعوبة وصول التحقيقات اللبنانية الى نتائج ثابتة وواضحة ونهائية في المسؤولية عن المجزرة لأسباب سياسية معروفة، رغم الضغوط الدولية الكبيرة على “الدول الرسمية الثلاث” في لبنان للسير في التحقيق الى الآخر، وربما رغم رفض دولة الأمر الواقع “الفوقها” إدخال الوضع السياسي فيه تلافياً لتحميلها مسؤولية كل ما جرى ويجري في لبنان من مآسٍ ونكباتٍ متنوّعة، قد لا يكون تفجير مرفأ بيروت آخرها بل ربما أولها. وهذا هو سبب رفض التحقيق الدولي.
في هذا المجال تفيد المعلومات نفسها أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ودول أخرى عدّة غربية وعربية وصل استياؤها من سيطرة “حزب الله” على المعابر البحرية والبرية والجوية اللبنانية الى الآخر، كما من تحويل لبنان أو قسم كبير منه مستودعاً للأسلحة والذخائر المتنوّعة التي تدخله عبرها. وهي تؤكد أن مرفأ بيروت قد انتهى كمعبر للسلاح ولمواد أخرى غير مشروعة، وأن الأميركيين هم الذين سيعيدون بناءه ويضعون يدهم عليه. طبعاً لم يرفض “حزب الله” بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله في ظهوره التلفزيوني الأخير قبل بدء “عاشوراء” احتمال كون إسرائيل نفّذت مباشرة مجزرة بيروت ومرفئها. وأشار الى اطلاعه على كل التحليلات المعلوماتية والتقارير الاعلامية التي تتحدث عن ذلك، علماً أن فيها “الغثّ وفيها السمين” كما يُقال. وأكد أن “الحزب” سيردّ على هذا العمل الوحشي في حال التأكد من هوية مرتكبه. ذلك أنه أرسى، بعد انتصاره على إسرائيل في حرب تموز 2006 توازن ردعٍ يمنعها من محاولة القضاء عليه، وذلك كان هدفها الأساسي. وتوازن الردع هذا تحقّق بعد الضرر الكبير والفادح الذي ألحقته بإسرائيل أسلحة “الحزب” بل صواريخه. كما أنه أرسى قواعد اشتباك معها احتُرمت الى حدٍ بعيد باستثناء الخروقات اليومية وخصوصاً بواسطة طيرانها الحربي التقليدي وطيرانها المسيّر. ثم أضاف أنه في حال ثبتت لدى “الحزب” مسؤولية إسرائيل عن المجزرة الأخيرة فإنه سيردّ وبكل الوسائل. وأشار الى العملية الأخيرة التي نفّذها في تموز الماضي رداً على سقوط مقاتلٍ من صفوفه جرّاء غارة إسرائيلية جوية أو صاروخية على أحد المواقع العسكرية في سوريا حيث تتمركز قوّات عسكرية تابعة لـ”الحزب” وأخرى للجمهورية الاسلامية الإيرانية. وخلص الى القول أن قواعد الاشتباك التي أرسيت بفعل القوة وليس التفاوض تحاول إسرائيل تغييرها وأن “حزب الله” لن يسمح بذلك.
ما هو تقويم المعادين له في الخارجيْن الإقليمي والدولي؟
تفيد المعلومات الواردة من عواصم فيهما أن توازن الردع بين إسرائيل و”حزب الله” حقيقة يعترف بها أعداؤه كأمرٍ واقع لا يتمّ خرقها إلا عند الضرورة القصوى أو إلا إذا كان ذلك تمهيداً لعمل عسكري واسع. وتفيد أن “الحزب” استفاد منه لزيادة قوته العسكرية ولا سيما الصاروخية، وللاستمرار في بناء “جيشه” الذي سار قوة إقليمية مؤثّرة مباشرة ومداورة في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط. لكنها تفيد في الوقت نفسه أن قواعد الاشتباك التي أرساها “الحزب” مع إسرائيل احترمها الطرفان رغم استثناءات محدودة محسوبة بدقّة كي لا تتسبّب بحرب عليه وعلى لبنان في الوقت نفسه. وهي مع توازن الردع وُضعا قبل الثورة التي نشبت في سوريا ثم تحوّلت حرباً أهلية فحربٍ بين الإرهاب الإسلامي التكفيري وأعدائه بـ6 سنوات. يعني ذلك أنها لا تشمل “مجاهدي الحزب” الذين يقاتلون في سوريا مع القوات الإيرانية الرسمية المحدودة وجيش سوريا الأسد والقوات الروسية. ويعني أيضاً أن ليس من حق “الحزب” الرد على استهداف مقاتليه بل وقتلهم على الأرض السورية من الأراضي اللبنانية. كما أن ليس من حقه أن يؤسّس على الأرض السورية المجاورة لإسرائيل شريطاً حدودياً مقاوماً لها من مواطنين سوريين، كما من قواته وعناصر الميليشيات الشيعية الأخرى المقاتلة معه في سوريا. فضلاً عن أن نجاحه في ذلك يوحّد جبهتين عسكريتين عربيتين متجاورتين جغرافياً لها ويشكّل ذلك خطراً عليها. علماً أن نظام الأسديْن السوري احترام دائماً الهدوء على حدود بلاده مع إسرائيل واستمر محترماً إياه وإن “طنّش” على محاولات إيران بواسطة ذراعها الأقوى في المنطقة أي “حزب الله” “الحركشة” بإسرائيل منها، ولم يسمح لنفسه بالانجرار الى معركة أو حربٍ معها. وتوحيد الجبهتيْن لا تقبله إسرائيل ولذلك فإنها ستمنعه في القوة العسكرية وإن سقط جرّاء ذلك مقاتلون لـ”حزب الله”. وإذا ردّ الأخير من لبنان فإن ردّها على ردّه سيكون مدمراً للبنان وله. لكن شعبه كما الشعوب اللبنانية الأخرى سيتضرّرون كثيراً. فهل كانت مجزرة بيروت رداً كالمُشار إليه؟ يعني ذلك استناداً الى المعلومات نفسها أن “الحزب” هو من يغيّر قواعد الاشتباك لا إسرائيل في رأيها كما في رأي الولايات المتحدة.
الى ذلك نُقل عن السيد نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” كلامٌ قاله في الليلة الثالثة لمراسم “عاشوراء” يفيد أن أميركا تتدخل في دول العالم كلها وخصوصاً في الشرق الأوسط، فلماذا يُقبل تدخلها ويُستهجن تدخّل دول أخرى ضدّها بل يُرفض؟ وهذا كلام لا يخلو من الصحة. وإيران الإسلامية تُمارس سياسة مماثلة للسياسة الأميركية رداً عليها. وهذا حقّها لكنها أي إيران دولة. أما “حزب الله” ذراعها العسكرية الأقوى فهو ينفّذ مع آخرين طبعاً هذا الردّ. وفي هذا المجال يمكن القول أنه يفعل ذلك وبحكم اعتناقه الإيديولوجيا الإسلامية الإيرانية. لكنه حزبٌ لبناني ودولة لبنان ليست طرفاً رسمياً في حرب إيران المُشار إليها أو في ردها. فضلاً عن أن شعوب لبنان منقسمة حيال دوره العسكري هذا بقيادة إيران ليس في سوريا فقط بل في العالم الإسلامي وحتى داخل البلاد. صحيح أنه الأقوى في لبنان لكنه يمثل شعباً واحداً من شعوبه أربعة. وإذا شاء الاستمرار في هذه “المشاركة” العسكرية الإقليمية مع إيران قد يكون عليه في يوم ما أن يحكم لبنان كله كي يصبح تدخله تدخل دولة فهل يُقدم على ذلك؟ وألا يعرف أن التورّط المباشر في الداخل اللبناني كما حصل منذ أشهر بالسياسة ومن زمان بالأمن والسياسة، ولكن من خارج المسؤولية الرسمية ستكون نتائجه وخيمة عليه كما على كل البلاد؟ وجواب عدد من قادته كانوا يوماً في تشاور داخلي لهم أننا لن نتورّط في داخل لبنان وإن وصل الى الانهيار لأننا متمسّكون بإيديولوجيتنا ودورنا في تطبيقها. فضلاً عن أن الرد عليه بعمل يربكه داخل شعبه مثلما يحاول أن يفعل هو داخل الشعوب الأخرى قد لا يكون مستبعداً رغم صعوبة ذلك.
sarkis.naoum@annahar.com.lb