14-09-2020 | 23:33 المصدر: النهار

مرفأ بيروت

جهاد الزين
انفجار 4 آب على هوله وكشفه لحجم وشمول العفن البيروقراطي والسياسي والاقتصادي للوضع اللبناني وللنكبة الانسانية والعمرانية التي نتجت عنه لم يطرح السؤال بوضوح: من هي الجهة أو الجهات التي لا تريد دور أو وجود مرفأ بيروت؟ لكن الحريق الثاني الضخم الذي اندلع يوم الخميس المنصرم في هذا المرفأ، وقيل أنه الحريق الثالث بعد 4 آب يطرح السؤال بشكل جدي جدا: هل هناك جهات خارجية مصممة على تعطيل مرفأ بيروت ومنعه من لعب دور في الدورة الاقتصادية الجديدة في المنطقة؟
قرأت بعض المقالات المحلية التي تتحدث عن وجود مؤامرة إسرائيلية على مرفأ بيروت لصالح مرفأ حيفا، كذلك سمعت بعض التكهنات على التلفزيونات المحلية عن هذه المؤامرة. حتى أن سياسيا متّزِناً كأمين عام حزب الطاشناق الأرمني ورئيس كتلته في البرلمان اللبناني هاغوب بقرادونيان روى أنه كان يزور رئيس تيار المستقبل في بيته في وسط بيروت القريب من المرفأ وسمع أصوات طيران ثم وقع الانفجار، انفجار 4 آب.
العديد من الآراء يريد استبعاد مسؤولية حزب الله عن ملكية وتخزين المواد التي انفجرت في المستودع رقم 12 في المرفأ. والعديد من الآراء يريد تأكيد وجود هذه المواد لصالح وبمعرفة حزب الله. الرأيان، القصف الإسرائيلي والمواد المخزنة لمجهول التي انفجرت بعد طول تخزين، لا يتعارضان لأنه بالإمكان وجود سيناريو تخزين ل2750 طناً من نيترات الأمونيوم عائدة لجهة محلية أو غير لبنانية قامت إسرائيل بتفجيرها. كذلك نظرية الدور الإسرائيلي لا تتعارض مع كشف الانفجار للهرم البيروقراطي الفاسد في الدولة اللبنانية. إذن نظرية الدور الإسرائيلي
في التفجير تتقاطع مع المحورين اللبنانيّين 8 و 14 آذار حتى لو أن السجال بين المحورين أصبح منذ سنوات طويلة كخطين متوازيين لا يلتقيان على أي خلاصة سوى خلاصة الفساد التي جعلتها ثورة 17 تشرين تشمل بشكل فعال كلا المعسكرين..
كل ما سبق لا يمنع التوقف عند نظرية المؤامرة في انفجار 4 آب والحريقَيْن اللذين تلياه.
نعم في الشرق الأوسط الجديد، ولكن من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، سيتقدم دور مرفأ حيفا بسبب تحوُّلِ إسرائيل إلى دولة عظمى اقتصاديا مما يعني أن ازدهار مرفأ حيفا سيصبح نتيجةً طبيعية لهذه العَظَمة فكيف إذا كانت إسرائيل تملك كل إمكانيات منع استقرار لبنان وسوريا وحتى العراق.
ميزات مرفأ حيفا: أقرب للخليج، متصل بريا ومن دون حدود دولية بمرفأ العقبة الذي هو مرفأ “خليجي” بتسميات هذه الأيام وحجازي على البحر الأحمر بتسمية الأطلس الجغرافي.
مرفأ بيروت أقرب إلى أوروبا وهو المرفأ الطبيعي التاريخي لدمشق وجنوب سوريا. وعندما كانت الشركات الفرنسية تبحث عن الأنسب لمد خط سكة حديد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من دمشق إلى الساحل كانت المنافسة بين مرفأي بيروت وحيفا، وهي المنافسة التي ستربحها يومها بيروت وستكون أحد أهم عناصر تطوير و توسيع دور مدينة بيروت قبل أن تصبح عاصمة للبنان الكبير تحت الحكم الفرنسي، بعد أن كانت عاصمة لولاية عثمانية منذ العام 1888.
هناك إذن جذر تاريخي جدي وحقيقي في العلاقة الفرنسية مع بيروت سبق الانتداب، بهذا المعنى الجذر الاقتصادي والثقافي والتعليمي سبق الجذر السياسي العسكري الممثّل بالانتداب.
أي “غوغلة” بسيطة لمرفأ حيفا ستكشف أن هذا المرفأ تجاوز مرفأ بيروت في البنية الخدمات ومع تولي شركة صينية توسيعَه وإنشاءَ رصيفٍ جديد فيه، ناهيك أصلا عن كونه متصلاً بخطة سكة حديد إلى جبال طبريا وكل المناطق الإسرائيلية، وامتداده قرب شواطئ محمية بيئياً، خصوصا نحو الشمال إلى عكا ونهاريا وسيكون أو أصبح جاهزا لكل المرحلة الغازية التي بدأت في شرق البحر الأبيض المتوسط ومعها ازدهار الإنتاج الإسرائيلي من حقل ليفياثان المواجه لشاطئ حيفا.
أخْذاً بوقائع التخلف والتفكك وضعف الحماية الداخلية، وكل هذا ظهر بشكل مكثّف في انفجار مرفأ بيروت، يكون بؤسنا هو الذي يخدم المتآمرين علينا، حين لا يعود من فارق بين البؤس و المؤامرة، البؤس المثير للشفقة والمؤامرة المثيرة للبؤس.
السؤال الاستراتيجي بات يتعلّق بموقع لبنان الممنوع في الشرق الأوسط الجديد. بعد ذلك لا قيمة للمؤامرة لأن التاريخ نفسه يفجر المرافئ التي تفجّر نفسها.
مرفأ بيروت الحالي لا يقع سياسياً على البحر الأبيض المتوسط بل في هضبة آسيا الوسطى.
إلى أن “يعود”… لدينا أزمنة صعبة جدا. وربما المزيد من الحرائق أو هو حريق لن ينطفئ حتى وقت طويل آتٍ.
j.elzein@hotmail.com / Twitter: @ j_elzein