على امتداد سنوات، أنفقت #ايران مبالغ طائلة في دول المنطقة. صرفت المليارات لضمان بقاء الرئيس السوري بشار #الاسد في السلطة وتحويل “#حزب_الله” جيشاً موازياً. بالسلاح والمال والتدريب، قوت الميليشيات الشيعية في #العراق على حكومة بغداد، وبالصواريخ صبت النار على حرب#اليمن. وبين هذه الجبهة وتلك، تنقل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم#سليماني محاولاً ترك انطباع بأنه رجل لا يقهر .
وبعد الردود القوية عليه من بيروت، جاءه الرد الاقوى من داخل بلاده أخيراً، حيث هتف الايرانيون: لا لبنان ولا بيروت.روحي فداء لايران”.
كشفت الاحتجاجات الاخيرة ان مغامرات ايران الخارجية لا تسبب لها عداوات في الخارج فحسب. فمواطنوها الذين يئنون من الفساد والفقر، ضاقوا ذرعاً باهدار مقدرات بلادهم في دول قريبة وبعيدة طمعاً بأحلام امبراطورية لا تؤمن لهم الوظائف ولا تسد جوع كثرين منهم. وقد ظهر ذلك بوضوح في الشعارات والهتافات التي أطلقت في التظاهرات التي انطلقت الخميس الماضي من مدينة مشهد وسرعان ما توسعت لتشمل مدناً ومناطق أخرى وصولاً الى طهران. وخلافاً للتظاهرات المطالبة بالحرية والديمقراطية التي خرجت عام 2009، كان التدخل الخارجي الباهظ الثمن في الخارج، محركاً اساسياً لهذه التدخلات، اضافة طبعاً الى الفساد التي يضع ثروات البلاد ومقدراتها في أيدي النخبة ورجال الاعمال المرتبطين بالنظام.
يصعب بحسب خبراء ومتابعين تحديد الحجم الحقيقي للانفاق الايراني في النزاعات الاقليمية، وخصوصاً أن الحكومة لا تكشف أرقاماً كهذه. وحتى المسؤولين الاميركيين لا يعطون أرقاماً جاهزة للانفاق الايراني في مناطق مثل سوريا والعراق ولبنان.
وتتضارب الآراء والأرقام بين وسائل الاعلام العالمية وآراء الخبراء في شأن المبالغ التي تقدمها إيران لميليشياتها واذرعها في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن أخيراً، قدمت الحكومة بعض المؤشرات لانفاقها العسكري في موازنتها المتقشفة. فالشهر الماضي، اقترح الرئيس حسن روحاني زيادة كبيرة في الانفاق العسكري للسنة الايرانية المقبلة التي تبدأ في آذار، مع اقتراحه زيادة الضرائب وخفض الدعم الحكومي على مواد حياتية حيوية.
ويقول محلل الشؤون الإيرانية والباحث في مؤسسة “دراسات الشرق الأوسط “في باريس محمد أمين إن الحرس الثوري الإيراني خصص مبالغ ضخمة للميليشيات التي تقاتل في حروب الوكالة في الدول العربية، وخصوصاً في سوريا، حيث خصصت ميزانية السنة المالية الجديدة لإيران أكثر من 24.5 مليار دولار للشؤون العسكرية والأمنية، أي ما يعادل 23% من الموازنة العامة لإيران على حساب باقي القطاعات التنموية.
وشمل الانفاق العسكري نحو ثمانية مليارات دولار ل”الحرس الثوري الايراني” الذي يحصل على دعم مالي اضافي من مصادر خارج الموازنة أيضاً، وخصوصاً من مصالحه في قطاعات متنوعة من المناجم والهندسة الى الزراعة التي تدر مداخيل لا تخضع لمراقبة الحكومة.
سوريا
فمع مخصصات كبيرة كهذه للانفاق العسكري ، كانت المساعدات المالية الايرانية لسوريا سخية وأتاحت دعم اقتصاد أنهكته أكثر من ست سنوات من الحرب.
ويقدر “مجلس المقاومة الإيرانية” المبالغ المقدمة للنظام السوري والميليشيات في كتابه الصادر عام 2017 بما يقارب 20 مليار دولار سنويًا. ويقول إنه خلال السنوات الخمس من بداية الازمة السورية ، أنفقت طهران ما بين 80 و 100 مليار دولار في تلك البلاد.
ومن جهتهم، قدر خبراء في “مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية” المساعدات بـ 17 مليار دولار (15 مليار للنظام السوري وملياران للميليشيات) سنويًا. وقالت الامم المتحدة إن ايران قدمت ستة مليارات دولار لنحو 60 ميليشيا في سوريا نقلوا من العراق ولبنان واليمن وباكستان وافغانستا.
والعام الماضي، فتحت طهران خط اعتماد بقيمة مليار دولار أضيف الى اعتمادات قيمتها 5,6 مليارات دولار قدمتها لسوريا بين 2013 و2015. الى ذلك، توفر شحنات النفط الايرانية خط انتعاش قيماً آخر للنظام.
“حزب الله”
ولا شك في أن حصة “حزب الله” هي الكبرى من الانفاق الايراني للميليشيات. وتشير التقديرات ان الى إيران تقدم 200 مليون دولار سنويًا للحزب كرواتب.
وتقول صحيفة “لاستامبا” الايطالية إن الحزب تمكن من تحقيق استقلالية مالية منذ حربه مع إسرائيل سنة 2006، حيث أصبح يملك شبكة تمويل هامة تضم شركات ومؤسسات مالية ضخمة، بالإضافة إلى الدعم الذي يتمتع به من رجال اعمال اللبنانيين. ومع ذلك، أكد المستشار في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى الديبلوماسي السابق دنيس روس أن قيمة المساعدات المالية التي تقدمها إيران للحزب تقدر ب800 مليون دولار سنوياً.
اليمن
ووسط الاتهامات الغربية والعربية لايران بدعم الحوثيين في اليمن، يقدر خبراء قيمة الأموال التي أنفقتها طهران في ذلك بين 2009 و 2017 بما يقارب 8 مليارات دولار. وإذ تقدر مراجع قيمة المبالغ الإيرانية المقدمة للحوثيين سنويًا ب 20 مليون دولار على شكل رواتب وتدريبات، لا ارقام حقيقية حول قيمة شحنات الاسلحة الإيرانية البالغ عددها 15 شحنة منذ 2011 وحتى تشرين الثاني 2017)، والتي عثر فيها على بطاريات صواريخ وقطع حربية ومدافع وأسلحة متنوعة..الخ، وقدرت قيمتها بالمليارات.
الفصائل الفلسطينية
وتقر الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حركتي المقاومة الاسلامية “حماس” و”الجهاد الاسلامي بتلقيها دعماً مالياً ايراني يقدره خبراء بمليار دولار لرواتب وتدريب عسكري وتصنيع سلاح.
وتقول صحيفة “لا ستامبا” أن قيمة الإمدادات المالية التي تضخها إيران لـ”حماس” في قطاع غزة بلغت حوالي 100 مليون دولار سنويا، وهو دعم شهد انخفاضا في الآونة الأخيرة. أما “الجهاد الإسلامي”، فتتلقى مساعدات مالية قيمتها 70 مليون دولار في السنة.
العراق
وعام 2014، أقر الرئيس السابق ل”مقر خاتم الانبياء” التابع ل” الحرس الثوري” الجنرال رستم قاسمي ب أن إيران قدمت حتى ذلك العام 5 مليارات دولار للخدمات التقنية العسكرية للعراق. وقدرت مصادر أخرى قيمة المدفوعات الإيرانية للميليشيات في العراق بـ ملياري دولار سنويا، تضاف إليها نفقات مالية ضخمة تقدم للعسكريين الإيرانيين في العراق ومقاتليها دون تحديد ارقام.
وقبل أن “يكشف” الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله (متهكماً بالطبع) أن راتبه يبلغ 1300 دولار، أكدت مصادر متطابقة أن الراتب الشهري الذي تدفعه إيران لكل مقاتل في الميليشيات التي تمولها في الدول العربية تقدر يتراوح بما بين 500 دولار وألف دولار، وهو ما يعني أنها تدفع مليارات الدولارات سنوياً رواتب ميليشيات منتشرة في سوريا والعراق وايران واليمن.
صحيح أن تلك المبالغ مكنت إيران من بسط نفوذ أوسع منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979. كما أدت الى جعل قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، بطلاً قومياً في نظر بعض الايرانيين، الا أنها أيضاً كانت سباً في فقر لعدد كبير من الإيرانيين
ويقول سعيد لايلاز، وهو اقتصادي إصلاحي ومستشار رئاسي سابق في طهران، نفذ عقوبة بالسجن بسبب علاقاته مع إصلاحيين: “يعيش أكثر من 30 مليون إيراني تحت خط الفقر”. وفيما اعترف مسؤولون إيرانيون بأن قرابة 12 مليون إيراني من أصل 81 مليوناً يعيشون في فقر” شديد”، يشير ليلاز إلى أن نحو 3 ملايين إيراني ينامون كل ليلة جائعين.
ومع ذلك، تعتبر الجمهورية الاسلامية نشاطاتها العسكرية في الخارج مهمة جداً للحفاظ على أمنها القومي. وهي تسعى من خلال وكلائها فتح خط إمداد عبر العراق وسوريا الى لبنان، مما يتيح لها ايصال الامدادات الى “حزب الله” والوصول الى المتوسط.
وبرأي علي فايز، مدير برنامج ايران في “مجموعة الازمات الدولية” أن “طهران لن تغير موقفها الاقليمي”.
وفي المقابل، يقول الباحث البارز في “معهد الشرق الأوسط” أليكس فاتانكا إن الاحتجاجات قد تتراجع حالياً، الا أن ما حصل بؤكد أنها لن تكون المرة الاخيرة تنفجر احتجاجات في وجه نظام منفصل عن شعبه