17-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”

تعرض الصحف في طهران على صفحتها الأولى أخبارًا عن الصفقة التي توسطت فيها الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية لإعادة العلاقات (أ ف ب).
بكّر اللبنانيّون في استنتاجاتهم حول الإتّفاق السعودي-ال#إيراني. الكلُّ أوحى في البداية وكأنّ الإتّفاق يصبُّ في صالحه. اللبنانيّون الذين “ينفحطون” بكلّ شيء بدأووا يسوقّون فكرة أنّ إيران انتصرت أو أنّ السعوديّة كسبت الجولة. إيران والسعوديّة لا تُفكّران على طريقة الضاحية أو الطريق الجديدة. هُما أكثر براغماتيّةً من ذلك بكثير.
ما حصل قبل الإتّفاق هو أنّ إيران والسعوديّة تعبتا كثيراً ممّا يجري في الإقليم. إستثمرتا جُهداً إستثنائيّاً لسنوات طويلة في حروب المنطقة وثوراتها. وأنفقتا مالاً وفيراً في حرب اليمن تحديداً. هذا الاستثمار كان مضيعةً لفرصِ نموٍّ إقتصادي في السعوديّة، واستنزافاً لمالٍ عزيزٍ في إيران. التعب كان سيّد الموقف. قد يكون هذا هو حال الروس والغرب بعد سنةٍ أُخرى من حرب أوروبا الشرسة.
براغماتيّة التعَب قادتهما إلى الإتّفاق. #الصين كانت جاهزة. روسيّا غير حاضرة. مُنهكةٌ هي في حرب أوكرانيا. وأميركا لا مُشكلة لديها في توزيع جوائز ترضية للصين. نحن نرى الوضع وكأنّ السعوديّة أرادت إشهار موقفٍ عاتبٍ على الأميركيّين. لا أظّنُّ ذلك. لا أرى السعوديّة مُقدمةً على أمر مثل هذا من دون مباركة العم سام. الإتّفاق الذي أتى من إنهاكٍ مُتبادل، أوصل إلى توازنٍ بين الدولتَيْن.
الدور القديم لإيران القاضي بخلق توازنٍ في المنطقة بين السُنّة والشيعة إنتهى. الأمرُ حصل. إيران استمالت دولاً عديدة لكنّها لم تقدر أن تُشبعَ ناسها. لذا إيران بحاجةٍ إلى هدنة دوليّة ودورٍ جديد. الحظر أنهك إيران بغضّ النظر عمّا يقوله إعلامُها. البلاد لم تستطِع أن تتقدّم. السعوديّون في المقابل تعبوا هُم أيضاً. أتعبتهم الحرب في اليمن وقبلها المواجهة مع الإرهابيّين. المملكة بحاجةٍ إلى شيء من الراحة أيضاً. تُريد أن تستثمر مُطمئنّة البال. السعوديّة مهتمّة بالتحديث أكثر ممّا هي مهتمّة بالاستثمار بالسلاح.
ما اتّفق عليه السعوديّون والإيرانيّون هو التوازن وضمان الاستقرار. هذا ما حصل فعلاً لا أكثر ولا أقل. #السعودية وإيران لم تتّفقا بعد على الأدوار في دول الإقليم. لكن الحرب في اليمن لا مُبرّر لاشتعالها بعد الآن. في الإقليم أيضاً، يفتح الإتّفاق باباً أمام النووي. السعوديّة كانت متوجسّة من أي تقارب أميركي باتجاه إيران. أعتقد أنّ هذا التوجّس خف. يبقى الإسرائيليّون.
بعد أسبوعين من “اليوفوريا” اللبنانيّة في تفسير ما حصل، عاد اللبنانيّون إلى الانتظار. السعوديّة وإيران الّلتان دفعتا أثماناً باهظة لن تسايرا أحداً. اللبنانيّون يُريدون أن يقطفوا ثمار الإتفاق قبل أن تقطفَه الدولتان. لم يتّفق البَلَدان في موضوع لبنان لكنّ القرار هو ألا يختلفا. التوازن الذي تحقّق في الإتفاق بين الدولتين هو نفسه التوازن الذي سيعمل الطرفان على تحقيقه في لبنان. فجأة صَمَت اللبنانيّون. خفّ التحريض كثيراً. وليد جنبلاط قرأها جيّداً وكان واضحاً حين قال: “التوافق الإقليمي السعودي الإيراني حدث كبير يفوق طرحي وطرح الرئيس برّي والسيد حسن”. ببساطة عُدنا ننتظر الإملاءات التي لا ندري متى ستأتي. الخيوط بدأت تنتظم في المنطقة. الارتدادات الإيجابيّة قد تكون في الطريق إلينا. موضوع الإنتخابات ما زال يدور حول الإسم. في اللحظة التي يبدأ فيها الحديث عن الرئاسة وليس عن الرئيس نكون قد اقتربنا. التعبُ هناك يشبه التعب الحاصل عندنا. التوازن الذي حصل هناك سيُنتج توازناً هنا يُترجم بنهجٍ مختلف، والفرصة التي ستبدأ بالتكشُّف هناك لعلّها تُنتج فرصة أفضل هنا.