شربل نجار
هنا لبنان
05062017
عام 1993 عدت من هجرة قسرية اضطررت اليها بعد ان أشعل من أشعل كل أخضر ويابس إثر انتهاء ولاية الرئيس الأسبق أمين الجميّل عام 1988 .
وفور عودتي شرعت ابحث عن وسيلة تسمح لي باسترداد منزل العائلة في قريتي الذي كان “يشغله” العسكر السوري منذ نهاية عام 1977.
توسّلتُ زعماء تلك الأيام القريبين من النظام السوري طبعا ففشل الواحد تلو الآخر في مساعدتي والحق ليس عليهم بل عليّ ، إذ كنت أعتقد آنذاك أن تلك الزعامات تستطيع ما لا يستطيعه سواها من خلق الله.
لقد تبين أن الأمر غير ذلك، وان الزعيم في لبنان مقاول عند أولياءالأمر من سوريّين وسواهم من حكام ذلك الزمن القهّار المستمر بأولياء أمر من جنسيات أخرى ومتعدّدة.
لقد وصلت يومها الى خلاصة مفادها ان ما حك جلدك مثل ظفرك ، فدخلت مباشرة على خط القيادات العسكرية السوريّة العليا في منطقة ضهور الشوير، وتقرّبت من آمر المنطقة “العميد بدر” الساكن في قصر عماد هناك . لم اتحدّث وإياه في الإيديولوجيا ولا في السياسة ولا في غربلة الناس. كان حديثا في الأدب والشعر والزّجل واسترداد البيت. وكنا نجلس حول كوب شاي وأمام موقد بناه نايف عماد داخل قصره المنيف. فيه من الأبهة والعظمة ما يذكّر بخديويَّي مصر الملك فؤاد وابنه فاروق. فمال القصر من مصر ومن طنطا تحديدا حيث أسس نايف معملا للصابون . وقد استمرّيت بالتردد على العميد بدر بين آب 1994 وأيلول 1996 وفي أيلول من تلك السنة استرجعت خرابا ما اورثني إياه الأجداد عمارا.
وفي احد أيام آب من سنة 1996 ، انهيت واجبي الديمقراطي في انتخاب من سوف يمثل أهالي المتن في البرلمان وتوجهت لزيارة ركام ذلك البيت. لم يسمح لي الجندي النفر وكاد أن يطردني . ولما استدرت بسيارتي غاضبا شاتماً أوقفني النفر فتوقفت … قال : “بعد أيام سنغادر المكان وستأتي فرقة أخرى بديلة ، حاول أن تتدبّر أمرك بين خروجنا ودخول غيرنا “.
وهكذا كان، دخلت بيتي بعد خروج من كان موجودا فيه برفقة زوجتي وابنتي الصغيرتين حينها وطاولة وبعض كراسي البلاستيك وغاز صغير وكمية من البن لا بأس بها ومظروفات الشاي على أنواعها.
في اليوم التالي ، وبعد ليل قضيناه على الكراسي متوسلين الشاي وما تيسر من حرامات، وما إن أطل الفجر حتى سمعنا هديرا يتصاعد مقتربا من حيّنا ثم من منزلنا حتى توقفت مقدّمته مباشرة أمام كراسينا. نزل ضابط برتبة لا بأس بها وزجرني قائلا ” معاكم خمس دقائق لمغادرة الموقع …… هذا موقعنا منذ عشرين سنة.” تركت مقعدي واقتربت منه فسلّمت وقلت :”هذا بيتي منذ مئتي عام وأكثر، أمامك حل من اثنين إما المزّة فأسجن او المقبرة.” ثم أمسكته بسترته متابعا :” تعال ادلّك على مكان المقبرة” .
تراجع قليلا ….. نظر اليّ نظرة حياء ثم مال الى معاونه وأشار بيده أن يتراجع الرّتل . أدارت الشاحنات المحمّلة بالذخائر، كما الدبابات وناقلات الجند محرّكاتها وغيرت وجهتها وعاد الهدير ليتصاعد من جديد صاعقا أمام البيت وخافتا كلما ابتعد الرتل عن أنظارنا في طرقات الضيعة متجنبا زواريبها.
لن أدخل في تفاصيل الأخذ والردّ الذي تلا هذه الحادثة ، غير أن فضل العميد بدر كان فاصلا إذ أُخبرت بعد ذلك بمدّة أنه أقنع خلفَه “العميد حبيب” بترك منزلي لنزلائه الجدد فتركه.
في كل الجيوش فرسان، وكان العميد بدر واحدا من كبارهم ! كل ما ارتضاه منّي قلمَ حِبر وديوان المتنبي وقد كتبت على صفحة الديوان البيضاء الأولى ” عزيزي العميد بدر ، أهديك ألف بيت وبيت وشكر … لقد أعدت لي بيتي”
أقول هذا ليس تبجحا بل للدلالة على أن من يدّعي البطولة والزعامة والقيادة في بلادي هو بالذات من يتلقى الأوامر !.
الأوامر تحدّد مواعيد انتخاب الرؤساء!!
الأوا مر تقول كن لقانون الإنتخاب فيكون!
الأوامر حدّدت حصّتنا من نفط كما حدّدت حصة اسرائيل و سيرضخون على بركات الله…. والعمولات!
وغدا تحدّد الأوامر مواعيد الإنتخابات فينصاعون، وموعد تحرير اللبنانيين من حصار النفايات فيتحرّرون ……
لبنان حوّلته أحزابه وزعاماته الى حديقة حيوانات تتوسّع
وإلا من أين لتلك الأحزاب و الزعامات قصورُها لولا قصورِها؟؟