مروان اسكندر
النهار
02022018
خلال اجتماع في غرفة التجارة والصناعة في الشمال عقد في مركز الغرفة بطرابلس في شهر كانون الاول 2017، وفي محاضرة لرئيس جمعية الصناعيين الاستاذ فادي الجميل، وهو من عائلة صناعية عريقة لديها مصانع للورق والكرتون في لبنان وايران وفرنسا، سئل الاستاذ الجميل عن كلفة الكيلووات/ساعة من التغذية الكهربائية لمصانع العائلة في ايران وفرنسا ولبنان، فأجاب: 4.5 سنت في ايران 12 سنت في لبنان تضاف اليها كلفة المولدات الخاصة فترتفع الى 18 سنت؛ 4.5 سنت في فرنسا.
تساءل طارح السؤال عن أسباب الفروقات، فأجاب الاستاذ جميل: في ايران يعتمد توليد الكهرباء على الغاز وهنالك تشجيع للإنتاج الصناعي، أما في لبنان فالكلفة المرتفعة هي دون تكاليف الانتاج الذي يتوافر من مصلحة كهرباء لبنان والذي تبين الدراسات الخاصة به (راجع كتاب الاستاذ منصور بطيش عن قضايا الكهرباء ومعالجة العجز المنشور عام 2015) ان كلفة الانتاج الوسطية للمعامل العاملة وسفينتي توليد الكهرباء المتعاقد معهما توازي 22.73 سنت للكيلووات/ساعة، ومن ثم الخسارة التقنية لمد الكهرباء على الخطوط المهترئة توازي 15 في المئة، تضاف اليها سرقة للتيار بنسبة 20 في المئة ترتفع بنسبة مماثلة لمن لا يسددون المستحقات، فتكون الكلفة الحقيقية لكل كيلووات/ساعة يتوافر للمشتركين 34 سنت.
لا عجب مع هذه الارقام ان معدل تحصيل الفواتير للسنوات الثلاث المنصرمة كان يؤدي الى توافر 650 مليون دولار في السنة تقابلها تكاليف تبلغ 2.8 ملياري دولار، والعجز البالغ 2.15 ملياري دولار يغطى بالقروض السنوية التي راوحت حول ملياري دولار سنويًا ويقدر ان يرتفع هذه السنة نتيجة ارتفاع اسعار النفط.
الأمر الأكيد أن هذا الوضع القائم بصورة متزايدة منذ عام 2005 لا يمكن أن يستمر اذا كان للبنان ان يغطي العجز من تخفيف كلفة الانتاج، سواء باستعمال التغذية بالغاز الطبيعي (وتكاليف المحروقات حاليًا سواء الفيول أويل أو المازوت توازي 75 في المئة من الكلفة الاجمالية لتوليد الكهرباء، والبقية من الكلفة معاشات الموظفين ونفقات الصيانة، من غير ان نحتسب تكاليف اهتلاك المعدات)، وبالفعل لم تتحقق اي استثمارات في تحسين كفاية الانتاج الا بانفاق 170 مليون دولار على تطوير منشآن محطة الزوق.
ننتقل الى فرنسا حيث كان التفسير ان الكلفة متدنية لانها كانت تتوافر من مولدات نووية وحصول فرنسا منذ ايام جيسكار ديستان على كميات كبيرة من الأورانيوم بأسعار بخسة نتيجة اتفاق وقعه الرئيس الفرنسي مع الكونغو عام 1973. ويجب التذكير بان ذلك العام شهد ارتفاع أسعار النفط من دولارين البرميل الى 11.2 دولاراً خلال شهر تشرين الثاني، وهذا الارتفاع شجع فرنسا بالتعاون مع الولايات المتحدة على انشاء وكالة الطاقة الدولية التي كان الغرض منها (مركزها باريس) مواجهة قدرة بلدان منظمة “أوبيك” على التحكم بالاسعار.
المثل الاقرب الى لبنان برز في كلمة لصناعي مصري في اجتماع طاولة مستديرة دعا الى عقدها السفير المصري في منزله في دوحة الحص بتاريخ 20/1/2018. فقد اكد الخبير والصناعي المصري ان كلفة الكيلووات/ساعة للصناعيين في جمهورية مصر العربية يوازي ايضًا 4.5 سنت. ومعلوم ان مصر كانت الى ما قبل ثلاث سنوات ثاني أكبر منتج للغاز ومصدر للغاز المسيل في البحر المتوسط. ونظراً الى تعاظم استهلاك الغاز للحاجات المنزلية والصناعية والتصدير الى اسرائيل، كما الى الاردن وسوريا ولبنان، عانت مصر نقصاً في توافر الغاز، لكن هذا الوضع مع اكتشاف شركة ايني الايطالية منذ ثلاث سنوات حقولاً ضخمة للغاز في المياه الاقليمية بدأ الانتاج منها وباتت هنالك وفرة تسمح لمصر بتصدير الغاز من جديد، وهذه فرصة للبنان بعد الاردن الذي تعاقد على استيراد الغاز من مصر.
الاردن، هذا البلد الذي أصبح عدد سكانه من المواطنين واللاجئين سواء من العراق، أو سوريا أو الفلسطينيين غير المجنسين، 11 مليون نسمة، يوفر الكهرباء 24/24 ساعة يوميًا لجميع السكان وذلك بالاعتماد على معامل انتاج بطاقة 4000 ميغاوات (في المقابل لبنان لديه معامل عاملة طاقتها النظرية 2100 ميغاوات والفعلية أي القادرة على الانتاج 1375 ميغاوات، يضاف اليها 270 ميغاوات تنتج من السفينتين). ان الفارق الاهم بين لبنان والاردن هو ان الاردن بات منعم بطاقة انتاج من الالواح الاحترارية توازي 2200 ميغاوات، وهذه الطاقة متوافرة من منتجين من القطاع الخاص، وهي طاقة متجددة لا تحتاج الى لقيم من المشتقات النفطية.
لقد حقق الاردن، الذي معدل دخل الفرد السنوي فيه لا يتجاوز نصف معدل الدخل الفردي في لبنان، الكفاية الذاتية وعالج موضوع النفايات على مستوى مذهل مقابل ما نشهده لسبب واحد هو ان الادارة الحكومية فعالة وان انتقاء الوزراء والمدراء والفنيين يستند الى الكفاية العلمية والعملية وان مستوى الفساد متدنٍ الى حد بعيد. لو كان لنا حكم مواز لما هو في الاردن، لكان لبنان على أفضل حال على صعيد التغذية الكهربائية، أو توافر المياه للاستعمالات المتعددة. ويحوز لبنان اعلى معدل لتساقط الامطار في المنطقة وليس هنالك بلد يتمتع بوفرة مائية أفضل سوى تركيا التي حققت قفزات انمائية كبيرة خلال السنين العشر المنصرمة، علمًا بان مركزية الحكم والتحكم في تركيا باتت تدفع الصناعيين الاتراك واصحاب الاموال الى تحويل ما يستطيعون تأمينه الى الخارج.
من المؤكد أن لبنان يحتاج الى اعتماد مولدات نقالة تحل محل المعامل المتقادم عهدها والسفن المستأجرة وفي انتظار توافر الغاز والنفط وذلك لن يكون قبل سنة 2026، ذلك ان اعمال التنقيب والحفر ومن ثم الانتاج في حال تحقيق اكتشافات لن تبدأ قبل 2019 وفي احسن الاحوال يمكن توقع توافر انتاج يسهم في تأمين حاجات لبنان بعد انقضاء سبع سنوات على بدء أعمال الحفر، والسؤال هو ماذا يحصل بعد توافر انتاج المولدات النقالة وشبكها بخطوط التوزيع (شرط تطوير هذه وصيانتها بدقة).
هنالك أكثر من امكان:
أولاً: اصحاب شركات المولدات النقالة يمكنهم اعتماد مولدات تشغل على الغاز، واذا تحققت اكتشافات للنفط وبادرنا منذ الآن الى تطوير مصفاتين حديثتين للتكرير وبتمويل خاص، وربما دمج التمويل الخاص، مع منشآت التخزين التي لا تزال متوافرة في المصفاتين وهذه ملك للدولة، يكون لدينا معامل تكرير تعتمد على استيراد النفط وتوفر لنا عبر تكرير النفط المستورد نحو 600 مليون دولار سنويًا، وعندما يكون لدينا نفط أو غاز نستطيع مواءمة الانتاج المتوافر وحاجات المولدات النقالة.
ثانيًا: يمكن أن يشترط على شركات المولدات النقالة انجاز محطات لانتاج الكهرباء مع التزام تأمين الكهرباء مقابل 11-12 سنت لكل كيلووات/ساعة. وعروض كهذه متوافرة من أكثر من فريق ومن أهم هؤلاء فريق أميركي وفريق مصري انجز اكثر من 10 اضعاف حاجات لبنان لانتاج الكهرباء خلال سنتين.
ثالثًا: اذا اتبعنا خبرة الاردن وشجعنا على انجاز حقول للمراوح الكهربائية والالواح الحرارية خلال سنتين، تصبح لدينا طاقة قد توازي ما حققه الاردن بالاعتماد على القطاع الخاص واصبح لديه 2200 ميغاوات من الانتاج المستدام دون تحميل الدولة أية أعباء – من المؤكد اننا نحلم لان الحكم لدينا منشغل بقضايا غير القضايا الحياتية البالغة الاهمية.