الرئيسية / مقالات / معنى الغيبة وفوائد الظهور التي يعلّقها “حزب الله” على إطلالة سيده اليوم

معنى الغيبة وفوائد الظهور التي يعلّقها “حزب الله” على إطلالة سيده اليوم

في التراث الفقهي والعقيدي الشيعي تندرج فصول خاصة تأخذ حيّزاً واسعاً من “الغيبتَين الصغرى والكبرى” اللتين اختُص بهما خاتم الائمة الشيعة الـ12، أي المهدي المنتظَر المعروف مجازاً بـ”صاحب العصر والزمان”. لذا فمسألة الغيبة المفاجئة والظهور المفاجئ أمر راسخ أشد الرسوخ في الوجدان الشيعي، له ما يبرره وعنده ما يسوّغه، وله ايضاً فقه مقاصد يكاد لا ينضب.

وعليه، كان بديهياً ان تستعيد شريحة واسعة من الشيعة اللبنانيين هاتين الواقعتين (الغيبتين) في الايام القليلة الماضية، وهم يتابعون عن كثب غيبة صغرى للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مستمرة منذ ما يقرب من شهرين ونيف، وهي على ما هو معلَن، ستشهد خاتمتها مساء اليوم السبت عقب الاعلان المكثف عن إطلالته التلفزيونية.

ثمة اعتبارات عدة أملت الغيبة، ومن ثم فرضت هذا الكمّ من التساؤلات المقرونة بسيل من التكهنات. وعموماً كان الاحتجاب فوق ما اعتاده جمهور السيد وراصدو إطلالته، على نحو صيّر معه هذه الغيبة الصغرى ومن ثم تحديد موعد الاطلالة المرتقبة حدثاً ذا صدى ودويّ، فضلاً عن انه اطلق حبل التكهنات والتأويلات على غاربه.

ليس مستجداً على المعنيين القول إن من أبرز عوامل الاثارة التي اكتنفت الموضوع واستغرقته تماماً هو الكلام المتعالي عن داء ألمَّ بالسيد وأقعده عن ممارسة فعل الظهور المستفيض الذي عوَّد جمهوره عليه خلال الاعوام القليلة الماضية، بحيث جعل الاطلالات دورية شبه منتظمة، وربما مرتين في الشهر الواحد، الى درجة انه سدَّ باب الاستشراف وعطَّل نافذة التحليل والاجتهاد قبل أي اطلالة.

بطبيعة الحال، ليست المرة الاولى تحفل فيها وسائل إعلام (وأكثرها من نوع التواصل الاجتماعي) بهذا النمط من الكلام عن احتمال مرض السيد. فقبل نحو سنة، اضطر السيد الى بثّ رسالة صوتية يطمئن فيها جمهور مريديه ويدحض أخباراً سرت عن مرضه من جهة، ويكرر مسلَّمة إيمانية فحواها ان الصحة والأعمار والحياة هي ملك الواحد القهّار وأمانة غبّ الطلب، ولا يمكن أيّ انسان ان يمنح ضمانات بهذا الأمر.

لكن الامر هذه المرة أخذ شكلاً أكثر درامية، لاسيما بعدما جنّدت اسرائيل اجهزة حربها النفسية والاستخبارية المتخصصة ودفعتها في اتجاه فتح حنفيات الضخ والضغط وبثّ سيناريوات تنطوي على وجه من وجوه الصدقية، أو على الاقل تدفع باتجاه إثارة التساؤلات. وقد شاركتها في هذه “الحملة” اجهزة غربية وعربية.

واللافت ان صمت “حزب الله” المطبق حيال ذلك عزز فرضية الجزع وموجة الخشية الى درجة ان بعض مريدي السيد اندفعوا من تلقائيتهم الى اعادة بث الشريط المطمئن السابق بلسان السيد، لكن الجهات المعنية في الحزب ما لبثت ان اصدرت توضيحاً يشير الى ان الشريط قديم ومكرور.

امام هذا المشهد المبهم والمستبطن تأويلات ومخاوف، كثرت التكهنات حول هذا الاصرار الاسرائيلي غير البريء والهادف الى استدراج الحزب لينطق بأي شيء يتصل بالموضوع سلبا او ايجابا، بصرف النظر عن واسطة التوضيح، اهي بيان ام شريط صوتي ام خلاف ذلك؟

وقد قيل من جملة ما قيل ان الاستخبارات الاسرائيلية المولجة حصراً برصد حركة السيد واحصاء سكناته، استغرقت فعلاً في استشراف موضوع الغيبة، لاسيما بعد تلقيها معلومات جوهرها ان سيد الحزب ربما انتقل خفية الى طهران لأمر كبير يدبَّر في ليل مبهم تتخطى مفاعيله الحدود اللبنانية.

باختصار، استشعر الحزب، وفق اوساط ذات صلة، تعطّش الاسرائيلي الى اية معلومة مهما كانت محدودة تجلي الغموض عن مسألة غياب السيد، لاسيما ان ثمة تحولا كبيرا يجري في الاقليم عنوانه العريض: “السباق المحموم لملء الفراغ المتوقع وشيكاً في الساحة السورية”، والذي تسعى تل ابيب الى حجز حصتها المسبقة فيها عبر الغارات المتتالية على محيط دمشق والتي بلغت رقماً غير مسبوق.

ولان الحزب يزعم انه بات متضلعاً تماماً من الفهم العميق للذهن الاستراتيجي الاسرائيلي بفعل طول الاحتراب والسجال معه، فقد نجح (الحزب) طوال نحو شهرين في الاعتصام بالصمت وحال دون استدراجه الى فخ الافصاح عن اية معلومة مجانية مهما كانت ضيئلة ومتواضعة.

ويروي مسؤولون في الحزب تفاصيل مذهلة عن كمية الاتصالات التي تلقونها من اعلاميين وغير اعلاميين للحصول على جواب واحد عن صحة السيد ومكان وجوده، وتحديداً هل مازال في لبنان ام خارجه؟

وفي نهاية المطاف حدد الحزب اللحظة المناسبة كي يعلن عن موعد اطلالة سيده. وكما كان للصمت والسكوت في لحظة المواجهة النفسية والاستخبارية مع عدوه الاشرس فائدته الكبرى المدروسة، كذلك فان الجهات المعنية في الحزب تحصي الان فوائد اظهار السيد نصرالله في هذا التوقيت بالذات امام الاضواء الساطعة، متخيرة ان تكون الاطلالة طويلة (ما يزيد عن ساعتين) ومفتوحة يستعد السيد فيها للاجابة عن تساؤلات مشاهدين ومتابعين وفق ما هو معلَن مسبقا. وفي علم التواصل ان لهذا السلوك المستجد معانيه وأبعاده ويحفل باجابات عن اسئلة مضمرة.

وفي مقدم هذه الفوائد:

– بث روح الطمأنينة والاستقرار لدى جمهور الحزب على نحو يبدد موجة الجزع والريبة التي طالت نسبياً.

– رسوخ اعتقاد تام لدى الحزب فحواه ان تسارع التطورات المحلية والاقليمية التي عصفت خلال الشهرين المنصرمين، صار يحتم اعطاء من يعنيهم الامر احاطة تفصيلية بما حصل، واستشراف افق المرحلة المقبلة، ولاسيما ما يتصل تحديداً يالشأن السوري الذي صار بالنسبة الى الحزب شأنا داخليا مع تعدد السيناريوات المطروحة في هذا المجال ودخول اسرائيل لاعبا يوميا في موازاة السباق المحموم مع الوقت، والذي بدأته الادارة الاميركية لفرض وقائع معيّنة في سوريا وخارجها.

وعليه، يقارب الحزب هذه الاطلالة التي ارادها استثنائية بكل المعايير والمقاييس لسيده على انها جزء مهم من معركة المواجهة المفتوحة مع العدو الاسرائيلي، وأن كلا الغيبة والاطلالة فعل فعله المدوي وأتى أُكله

وثماره.

اضف رد