علي عواضة
النهار
28082018
في الوقت الذي تتجه فيه غالبية الدول المتقدمة إلى زيادة المساحات الخضراء، قررت بلدية بيت مري قطع آلاف الاشجار لإقامة معمل لمعالجة النفايات، يتسع لحوالي 400 طن يومياً، فيما البلدة لا تنتج سوى 15 الى 20 طنًّا كحد أقصى، ما أدى إلى حالة اعتراض من بعض أعضاء المجلس البلدي وشجب واستنكار من قبل الأهالي على قاعدة “ما مضطرّين نتحمّل زبالة القرى الأخرى”.
مشكلة معمل النفايات المزمع انشاؤه لا تقف عند هذا الحد، فالاعتراضات بدأت من موقع المعمل في وادي لامارتين، حيث ستعمل البلدية على قطع الأشجار في العقارين 3326 و3327 من البلدة على مساحة 150 ألف متر مربع، بينما ينص العقد الموقع على أن تبلغ مساحته 60 ألف متر مربع.
المشكلة الأكبر بعيداً عن الضرر البيئي للمشروع، أنه سيبنى فوق نبع الديشونية الذي يوزع المياه على بيت مري والمنصورية والضاحية الجنوبية لبيروت، وفي حال تم إنشاؤه فإنه يجب أن تكون معزولة بشكل جيد لتجنب أي تسرب للمياه الجوفية، بحسب ما أكد المهندس ربيع رعد، مضيفاً أن الموقع صُنّف مركزاً مهماً للتنوع البيولوجي ومستوطنة للطيور المهاجرة.
ويستغرب بعض أعضاء المجلس البلدي الرافضين للمشروع الحماسة الزائدة لرئيس البلدية للمضي فيه، على الرغم من أن البلدة يوجد فيها معمل للفرز يستوعب نفايات بيت مري، وفي حال كان المعمل الحالي يتسبب بروائح كريهة وانبعاثات، فعلى البلدية اصلاح المعمل وليس قطع عشرات الآلاف من الاشجار في مجزرة بيئية نحن بغنى عنها.
حملة الاستنكار الواسعة للمشروع، حملها النائب السابق غسان مخيبر والنائب حكمت ديب الى وزير البيئة طارق الخطيب، معلّلَين في كتاب جملة الانتهاكات للمعمل. وتوقع مخيبر أن تعمل اللجنة على صياغة ملاحظات خطية مفصلة على المشروع ودراسة الأثر البيئي المتعلق به، وأن تلتقي بعدها بممثلي وزارة البيئة وبالشركة المكلفة وضع تقرير الأثر البيئي لتضع هذه الأخيرة تقريراً استكمالياً على اساس الملاحظات ونتائج الاجتماع. كذلك يمكن ان يعقد اجتماع خاص لجميع الجهات المحددة اعلاه لمناقشة الملاحظات مع ممثلي بلدية بيت مري. وعلى ضوء ذلك، يتوقع ان يتخذ وزير البيئة القرار المناسب”.
مخيبر سأل كيف لشركة ستدير المعمل ” Bioener بيت مري” أنشئت قبل أشهر في لبنان بميزانية 20 ألف دولار ولا سجل لها ستتكفل بمشروع بقيمة 50 مليون دولار بالشراكة مع شركة ايطالية، وستوقع العقود بين الشركة والبلدية بدون دفتر شروط ولا مناقصة! وكأن المشروع يقام بين صاحب منزل ونجّار لتدبير أمور منزله، فيما الحقيقة ان المعمل سيدمر المنطقة وستتحمل بيت مري نفايات المتن الأعلى. مخيبر كشف أن اجتماعاً سيعقد مع وزير البيئة والبلدية والمعترضين للبحث في كيفية انقاذ المنطقة من “الكارثة”، خصوصاً أن وزارة البيئة اصدرت تقرير الأثر البيئي وسمحت للبلدية بالمضي بالمشروع. ولكن هناك اجراءات كثيرة يتوجب على القائمين على المشروع اتخاذها.
نائب رئيس البلدية سامي مخيبر اعتبر أن مساحة العقارين 150 ألف متر مربع، وهي مساحة كافية لانشاء منتجعات ورياضات بيئية، ويمكن للبلدية تجهيز المعمل القديم. وسأل مخيبر من سيتكفل بتوسيع الطريق؟ ومن سيراقب النفايات، وهل سيتم فعلاً الفرز من المصدر؟ وما مصير العوادم؟ وكيف لقرية كبيت مري تعتبر مقصداً للسياح أن تتحول الى مركز للنفايات؟ وهل من المنطق أن تتحول الطريق الضيقة بالأصل الى ممر للشاحنات المحملة بالنفايات من المناطق المجاورة لنعالجها في القرية؟ وهل سيتحول المعمل الى محرقة؟ هذا عدا عن أن الشركة الايطالية في سجلها لا يوجد مشاريع بهذا الحجم. ويختم مخيبر حديثه بغضب “كيف بدنا نقطع جبل لنعمل مزبلة؟ هذا لم يكن برنامجنا الانتخابي للمجلس البلدي”.
رئيس البلدية
المشاكل والاعتراضات يواجهها رئيس البلدية روي أبي شديد برحابة صدر وثقة عالية بإنجاز المشروع، شارحاً الاسباب التي دفعته للموافقة عليه، فخلال الأزمة كانت النفايات ترمى على جوانب الطرقات من قبل شاحنات البلدات الأخرى، والمعمل لا يوجد فيه محرقة كما يظن البعض، وسنستقبل بحدود 200 طن يومياً وليس 400، فرأس المتن والقرى المجاورة لها تنتج يومياً 70 طناً، وبلدة بعبدات تنتج 10 أطنان كحد أقصى وبيت مري 20 طناً، والمنصورية 50 طناً وعين سعادة 15 الى 20 طناً، وبرمانا 15 طناً، ورومية 15 طناً، والفنار 20 طناً.
وعن الاشجار التي يفترض قطعها، رفض ابي شديد الارقام المتداولة مؤكداً أن عدد الاشجار لا يتجاوز الالف او الالفين كأقصى حد، مؤكداً أن العقارين هما تابعان للبلدية، ويمكن الاستفادة المادية من المعمل حيث سيوفر فرص عمل ومداخيل للبلدية، حيث ستدفع الشركة 10 دولارات مقابل كل طن يتم استقباله في المعمل في السنوات الثلاث الأولى، ويرتفع إلى 15 دولاراً في السنوات التسع المتبقية. وتصل كلفة معالجة الطن الواحد إلى 50 دولاراً، مع حسم حصة البلدية (10 دولارات).
ابي شديد شدد على أن الشركة الايطالية ستتكفل بتوسيع الطريق وبتجهيزات المعمل، وستتم مراقبتها بصرامة، ومن يخاف على الاشجار “اطمئنه بأن الشركة ستعيد استصلاح الارض المقام عليها المعمل القديم وستعيد تشجيرها وكأننا نقلنا المعمل القديم الى منطقة قريبة، وسترحّل العوادم الى الخارج. ويمكن للكسارات الاستفادة منها ايضاً، ما سيُدخل الى البلدية موارد اضافية.
ويتضمن المشروع المقترح بحسب البلدية:
عملية فرز النفايات الصلبة المنزلية
عملية التسبيخ للنفايات العضوية الصلبة
عملية معالجة العوادم.
عملية الهضم البيولوجي للنفايات العضوية الصلبة (الهضم اللاهوائي وهو عملية تحلّل حيوي بطريقة طبيعية للمواد العضوية في غياب الاوكسجين).
ومن شروط عملية نجاحها والتدابير المقترحة:
مراقبة نوعية النفايات الداخلة الى الخزانات – معالجة اولية للنفايات الداخلة الى الخزانات
عملية الهضم ونمو البكتيريا – مراقبة مستمرة لعوامل نجاح عملية الهضم
التحكم بالانبعاثات الهوائية- نظام لتنظيف الغازات
نوعية السماد الناتج – عملية تسبيخ هوائي لضمان جودة المنتج
اما في ما خص تأثير المعمل على المياه الجوفية، فإن خطة الإدارة البيئية أخدت في الاعتبار خطوات عزل المعمل عن الطبقات الصخرية عبر صب كافة الأراضي بطبقة من الإسمنت وتطبيق خطة طوارئ فعالة وسريعة في حال الحوادث، كما انه تم سقف المعمل في كافة خطوات المعالجة من اجل تفادي مزج مياه الأمطار بأية مياه ملوثة في حال وجودها.
وما بين الاعتراضات الكثيرة على المشروع وتفاؤل رئيس البلدية، تنتظر بيت مري في الساعات المقبلة اجتماع البلدية والمعترضين مع وزير البيئة لوضع النقاط على الحروف.