14-12-2020 | 13:47


صورة تجمع شهداء ثورة الأرز (أرشيفية).
الحقل المعجميّ للمصطلحات المعبّرة في وصف الشهيد جبران تويني وسائر شهداء الكلمة الحرّة، على لسان أصحاب رأي ورجال سياسة وفنّ وإعلام، تُظهر أنّها في كليّتها تعابير تنتمي الى عائلة الجرأة والشجاعة والصوت العالي. على امتداد 15 سنة، لم يبهت لون الوصف في قاموس مستحضري الذكرى: “استشهاد الكلمة الحرّة، الصوت المرتفع بثقة، ثائر حتى الاستشهاد، الرحمة لروحك الشجاعة، شهادة القلم الذي لم ينكسر، تفتقدك الساحات، الرمز المتمرّد”. وإذا كانت الذكرى تتلاحم مع مشهدية نثر كلّ هذه العبارات، فإن الأذهان – إذا ما أرادت مقارنة الأمس باليوم – تبحث في إشكالية النوستالجيا وسبب اختيار حقل معجميّ محدّد دون سواه؟ فهل هو حنين الى استعادة ذلك الزمن؟لا شكّ في أنّ ساحات معركة الحرية توسّعت اليوم. تطوّرت صناعة المذياع وكبرت تصاميمه وأصبحت تعمل الكترونياً أيضاً. وترجمت نظرية الأقلام السحرية التي تكتب الآراء بحبر اليد على منصات التواصل من دون الحاجة الى محبرة. ولم يعد حمل المذياع يحتاج ترخيصاً ليصل الى أصقاع العالم. لعلّها أشبه بحرب واسعة النطاق تخوضها حرية الرأي والتعبير في لبنان. لكن السؤال يبقى حول تأثير الملاحم الطاحنة وتضحيات الجنود القدامى على #الصوت المعارض. هل روّض الإعلام أم زاد جرأة؟ وماذا عن زيادة القمع؟ في حديث الأرقام، أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” في 21 نيسان الماضي تصنيفها السنوي لحرية الصحافة حول العالم، وقد استمر لبنان في مساره الانحداري، الذي بدأه عام 2015، متراجعاً مرتبة إضافية، حيث حلّ في المركز 102 من أصل 180 دولة.ولعلّ مسار الحرية الانحداري مرتبط بمصير الوطن الانحداري المهدّد بالزوال، في ظلّ قمع بوليسي تظهّر مع ناشطي الانتفاضة.السؤال الأهم: من ينتصر في النهاية؟ حرية الصوت المعارض أم القمع؟تبدأ رئيسة مؤسّسة MCF الوزيرة السابقة مي شدياق مقاربتها عبر “النهار” بالنسبة الى واقع الحريات في لبنان، انطلاقاً من القول إنّ “المعنيين مباشرة الذين نجوا بأعجوبة من محاولات الاغتيال، لم يستطع أحد إسكاتهم بل إنّ صوتهم ارتفع أكثر. لا يزال المعنيّ مباشرة يعبّر عن امتعاضه من التسلّط، ولا نزال ندافع عن القضية التي دفعنا ثمناً من أجلها. كثرٌ صدموا بعد محاولات الاغتيالات، والبعض منهم لم يعد يتجرّأ – مع بعض الاستثناءات – لأن الكلمة غالية جدّاً. ومن ناحية السياسيين، البعض يخشى على حياته والبعض الآخر يجرؤ حيث لا يجرؤ الآخرون”. وترى شدياق أنّه “مع الوقت وتطوّر مواقع التواصل الاجتماعي بعد سنة 2005، صار التفاعل والتعبير عن الرأي أسهل. ومن ناحية ثانية، علت نبرة التهديدات من خلال مواقع التواصل بشكل أوقح. لا تزال التهديدات موجودة ومن يلجأ الى القضاء اليوم، لم يتورّع في الفترة الماضية عن محاولات الاغتيال والتهديدات المعنويّة للصحافيين. عملية الترهيب الفكري حاضرة وعمليات قمع الحريات مستمرّة، مع استعمال القضاء بطريقة استنسابية، خصوصاً في ما يتعلّق بمواقع التواصل حيث لا معايير تحمي كتبة المنصات أو تدلّ عليها عبر القانون”.
وتصوّب على “الموضوع المعيشي الضاغط بالنسبة للكثير من الناشطين والسياسيين. يهدّدوننا بلقمة العيش وبدلاً من الحديث عن المواضيع الاستراتيجية والوطنية الكبرى، يلهون الناس بالوضع الاقتصادي المتعب حتى لا يتحدّث المواطن عن المسائل الحيوية السياديّة الجوهرية”.وتؤكّد شدياق أنّ “التاريخ لا يعيد نفسه. يمكن تخويف بعض الناس لبعض الوقت، ولكن لا يمكن ترهيب كلّ الناس كلّ الوقت. الحريات والكلمة الحرّة ورفض وسائل القمع لا يجب أن تكون ترفاً بل خبزاً يوميّاً. لبنان لا يُبلع ولا بدّ من صوت متمرّد وصارخ في البرية، يرفض الأمر الواقع. وكلّما خالوا أنّهم قمعونا وأسكتونا، نعود في الوقت الذي لا ينتظرونه ونعبّر عن مواقفنا الصريحة، وصوت الحقّ لا يمكن أن يقمع في لبنان بلد الحريات حيث النفس فيه حريّة”. المسألة التي كانت أخطر على صوت الإعلام والحريات هي الإفلات من العقاب، وفق مقاربة المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير أيمن مهنّا الذي يقول لـ”النهار إنّ “المشكلة في اغتيال سمير وجبران هي اغتيال أكثر من تحدّث بصوت مرتفع. هناك صحافيون لبنانيون آخرون تحلّوا بالجرأة في مواقفهم، لكنّهم لم يكونوا بنفس الوضوح في رؤيتهم. والخطورة في اغتيال صحفيين من دون أي محاسبة، تكمن في القدرة على استعادة مشهد الاغتيالات ساعة يريدون. ولا يغيب عن المشهد، الاعتداءات الجسدية على الجسم الصحفي خلال التظاهرات من دون عقاب. هنا يكمن الجوهر، في ضرورة الانتقال الى دولة تحاسب”.ويرسم مهنّا الواقع بمشهد “صوت معارض جديد وحرية أكثر وقمع أكبر. ولدت أصوات حرّة جديدة، وجدار خوف آخر سقط بعد عام 2005 مع انتفاضة 17 تشرين. وظهرت أصوات صحفية عبر الانترنت وذهبت أبعد بكثير من البعد التقليدي. يُظهر ذلك بروز إعلام جديد يذهب أبعد من الإعلام التقليدي، ربما بسبب الاغتيالات أو في ظلّ وجود شخصيات سياسية مساهمة”.ويخلص الى أنّه “في لبنان وطالما أنّ العقاب لم يحصل في السابق فإنّ الاغتيالات ممكنة. لكنّ هذا الجيل أظهر عن جرأة كبيرة وأسلوب واضح في مواجهة منظومة متكاملة. وبسبب أن عيون العالم شاخصة على لبنان، ولأن بعض القتلة لا يدركون بعد أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، نتمنى أن يبقى اهتمامهم تقليديّاً”.
majed.boumoujahed@annahar.com.lb