برنامج استثنائي يحتله الجسد والهموم المشتركة

«ستقدم دورة 2017 من «معرض بيروت للفن» برنامجاً استثنائياً ومبتكراً يؤكد دور العاصمة اللبنانية كأحد أكثر مراكز الإبداع المعاصر حيوية اليوم» هكذا يمهد بيان المعرض بدورته الثامنة، الذي يفتح أبوابه للزوار من 21 إلى 24 أيلول (سبتمبر). تشارك 51 غاليري – منها 29 للمرة الاولى- أتت من 23 بلداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. وسيعرض 230 فناناً ما يقارب 1400 عمل.
وللمعرض لجنة من المقتنين إضافة إلى الهيئة الإدارية شاركت في الاختيار. يضاف إلى فعاليات المعرض، قسم خاص بالمواهب الشابة الواعدة. أما قلب المعرض، فهو باسم «عروبة». يطرح هذا المتحف الصغير ضمن المعرض العام، مروحة واسعة من الأسئلة الوجودية في منطقتنا من الهوية العربية ومترتباتها على التشكيلين العرب، إلى الإشكاليات وحتى المشكلات الاجتماعية والسياسية وغيرها. وقد نسقت «عروبة» القيِّمة روز عيسى.
منصة للمواهب
«هو منصة رائدة لاكتشاف الفنانين الجدد والاتجاهات الرائجة وصالات العرض والمؤسسات كما المنشورات الفنية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. مما يمثل حافزاً رئيسياً للتنمية الفنية في المنطقة. وبما أن بيروت جسر بين الشرق والغرب، فإن المعرض ينشئ ويبني روابط فنية بين الثقافات المتنوعة، ويعزز التعاون بين صالات العرض مع التزام واضح بالاكتشافات. وفي غضون سنوات قليلة، أصبح «معرض بيروت للفن» حدثاً دولياً يجذب عدداً أكبر من الزوار إلى لبنان: المتخصصين ومحبي الفن من المنطقة ومن جميع أنحاء العالم.

لقد قررنا تسليط الضوء على هذا التطور من خلال تشكيل لجنة الاختيار التي تعكس الدعم الذي يتمتع به «معرض بيروت للفن» من قِبل أهم جامعي الفن في المنطقة. وقد اخترناهم لخبرتهم الغنية، فضولهم الفكري، ونوعية وجهات نظرهم في المشهد الفني الإقليمي».
بهذه العبارات يقدّم البيان التعريفي للدورة الثامنة نفسه. المعرض الذي تأسس عام 2010، آخذاً على عاتقه تسليط الضوء على سوق الفن الديناميكي المحلي وتعزيزه، يجد نفسه اليوم في حالة توسع كامل، سواء في لبنان أو على نطاق أوسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. «وعلى نحو ملموس، تدعم هذه الديناميكية سلسلة من المبادرات، المؤسسية والخاصة، التي تسهم مباشرة في زيادة تقييم الفنانين المحليين والإقليميين، سواء الحديثين أو المعاصرين» بحسب ما يختم البيان.
من لبنان والعالم: صراعاتنا واحدة
يقول تشرينيشفسكي «إنَّ تطوّر المبادئ الجمالية مرتبط بشعبية الفن ورسالته الاجتماعية وعقائديته. الفنّ لا يتولّد من المتطلبات الجمالية المجرّدة وحدها، بل يظهر، في الدرجة الأولى، بسبب الحاجات الاجتماعة. إنَّ ما يأتي بالفن إلى الوجود، هو الظروف التاريخية لحياة الشعب العملية».
ربما هذا أوضح ما يصبغ الدورة الثامنة، التي تبدو أكثر نضجاً من الدورة الماضية التي طالعتنا بأسماء جديدة وشابة بشكل خاص. أما اليوم، فهنا 51 غاليري – منها 13 من لبنان- فيما تنوع الوافدون من إسبانيا وأرمينيا والأردن والإمارت العربية المتحدة، والاورغواي، والبحرين، وبلجيكا، والمملكة المتحدة، والجزائر، وتشيلي، وتشيكيا، وتايلاندا، وتونس، وسوريا، وسويسرا، وسلطنة عُمان، وفلسطين، وفرنسا، وقطر، ومصر، والسعودية واليونان.
نعم يبدو المشهد الفني أكثر اتساعاً ورحابة، لكن الاشكاليات واحدة والهموم واحدة والصراعات التي يعيشها عالمنا وحّدت الريشة، ليبدو المشهد انسانياً صادقاً معبراً عن حاجات اجتماعية راهنة، وبشكل خاص عند الشباب العربي واللبناني. هكذا، تصدق مقولة تشيرنيشيفسكي أعلاه بل أيضاً مقولة بلينسكي بأنَّ «الفنّ، من حيث مضمونه، تعبير عن حياة الشعب التاريخية، فإن الحياة تمارس تأثيراً كبيراً عليه، فترتبط به ارتباط زيت المصباح بشعلته، أو بالأحرى ارتباط التربة بالنبتة». كيف لا، وأول ما تطالعك به غاليري «أجيال» اللبنانية لوحة (تصل إلى المترين طولاً) هي شجرة زيتون فلسطينية من لوحات تغريد درغوث، مع بيانها الذي يستلهم «شجرة الزيتون الثانية» لمحمود درويش ويعري انتهاكات الاحتلال لأرضنا وشجرنا بتوثيق دقيق.

تعود درغوث إلى مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» عام 2014، حيث كتب ويليام بوث: «في العام الماضي، أفادت الأمم المتحدة أن المستوطنين الإسرائيليين دمروا ما يقرب من 11000 شجرة زيتون وشتلة يملكها فلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة، وأحرقوا الأشجار التي أطاحت بها الجرافات، وقطعوها بالمنشار». وتضيف في ختام بيانها: «منذ عام 1967، اقتلعت القوات الإسرائيلية والمستوطنون في الضفة الغربية المحتلة حوالى 000 800 شجرة زيتون. لكن تعلمت أن قوة نظام جذر شجرة الزيتون هي التي يمكن أن تجدد نفسها على الرغم من الهرس أو الجرف».
كيف لا؟ وغاليري «البارح» البحرينية، تقدم «مقامات» الفنان عبد القادري مستلهماً مقامات الحريري للواسطي. يعالج القادري أحداثاً مفصلية دقيقة في تاريخنا الراهن من الصراع مع التكفيريين ونهب الآثار وتدميرها بمعالجة أرادها القادري أقرب إلى المقارنة والتحليل منذ إعلان دولة الخلافة المزعومة في العراق والشام حتى تدمير جامع النوري الكبير في الموصل حيث نصب البغدادي نفسه خليفة. يجري القادري مقارنة عبر استلهام الواسطي ومنمنماته في العراق الاسلامي وتاريخه الثقافي المشرق.
وهنا أيضاً تبرز أعمال رندة ميرزا في غاليري «تانيت» التي تعالج عبر الديوراما إشكالية متقاطعة مع ما يقاربه القادري لجهة تحطيم الآثار الناتجة عن الحرب التي أقامها التكفيرون على الارث الثقافي التاريخي. لكن بحث ميرزا المفهومي والفني يرتكز إلى هذه الاستعادة من أساطير الماضي ضمن إطار منظور نقدي مادي. تبرهن ميرزا أن هذه الاساطير ليست رموزاً تغريبية من زمن قديم غابر. فتقزيمها إلى طرح مماثل، إنما هو تفريغها من محتواها لصالح قصة قصيرة سلسة ومتناغمة لمجموعة أوهام. عملها في الاصل تفكيك نقدي لهذه الأوهام «الشرقية» التي تميل إلى تخليد وتقوية تلك الطروحات الكولونيالية الامبريالية التي نشأت منها. هنا أيضاً يبرز عمل فاطمة مرتضى مع غاليري «وادي فِنان» والقيِّمة ليندا ابو خاطر. عبر بحثها في الميثولوجيات القديمة وخاصة في منطقتنا تحديداً العراق القديم ومصر القديمة وبلاد كنعان، تجد مرتضى تضافراً قوياً جداً بين الجسد الانساني والجسد الحيواني، وعملية الدمج القوي جداً لاعضاء حيوانية كان لها رمز هام جداً في هذه الحضارات. تعتمد مرتضى على عناصر أهمها الثور والعنزة التي تعيدنا مرجعياً الى القوة المؤنثة المقدسة الموجودة تاريخياً عند هذه الحضارات. تعالجها مستحضرة قول الفيسلوفة حنة آرندت بأنّ الجسد هو كالفضاء العام الذي يعكس الخطاب المنطوق والصامت على حد سواء. البحث عن الجسد هنا هو محاولة لفهم العالم الذي نعيش فيه، وبالتالي اعتبار الجسد معطى سياساً. تحاول فاطمة عبر فنها أن تبحث في الصراعات التي تلهب هذا العالم. والجسد لا يمكن الا أن يكون مجموعة تداعيات للصراعات الموجودة في هذه اللعبة التي نعيش فيها، وهو هذا العالم.
الدورة الثامنة من «معرض بيروت للفن 2017»: من 21 حتى 24 أيلول (سبتمبر) ــــ «مجمع بيال» ـــ للاستعلام: 76/497453 ــــ مقابلات ومواد أخرى على موقعنا www.beirut-art-fair.com