تمر التربية اليوم في أسوأ أزماتها. فأحوالها ليست مستقرة على ما نشهده من مشكلات تعصف بمؤسساتها وقطاعاتها. لا يقتصر الأمر على سبب واحد أو مشكلة مرتبطة بالترهل، أو بتدفق اللاجئين، ولا السلسلة التي أربكت المدارس الخاصة وحجزت حقوق المعلمين. تبدو المشكلة أعمق بكثير كي لا نقول أنها جمعت حصيلة المشكلات المتوترة والشائكة، فهي تبقى في بنيتها غير المحصنة وغير القادرة على جبه التدخلات ومواجهة التداعيات التي تفرزها الأزمات. أما العامل الأبرز لأزمة التربية والذي لا تستطيع وزارتها معالجته وحسم أمورها، فيبقى في دخول السياسة ومصالحها وحساباتها على التربية وادارتها ومؤسساتها، فأصبحت مرجعياتها مقرراً في الكثير من القضايا والقرارات أيضاً وحاسمة في التوجهات، من دون أن نضع جانباً العوامل الطائفية والمذهبية المرتبطة بالقوى المقررة والنافذة في البلد، والتي تقرر سلفاً حصتها في أي مشروع، إضافة إلى حجز دور لها وموقع في الجسم التربوي، ما جعل التربية أكثر ضعفاً وترهلاً، إلى حد ما عادت قادرة على مواكبة الحداثة والتحديث وحتى المنافسة. لذا ما عاد للتربية قدرة على حل مشكلة تنشأ هنا وتولد هناك، حتى أن سلطة الوصاية غير قادرة على إخراج تسوية لأزمة المعلمين والمدارس الخاصة، أقله في الجانب المتعلق بالقانون.
ليس كل من تولى مسؤولية رسمية في التربية في إمكانه تجاوز الضغط السياسي والتدخلات، فيبقى اسيراً للمرجعية السياسية، وإن كانت هناك استثناءات تغلّب الوطني في الإدارة التربوية وترفع منسوبها على حساب المصالح السياسية والطائفية الضيقة، لذا نشهد على اختلافات بين العهود التي تدير التربية، وإن كان الكثير من المشاريع يوزع حصصاً بين الأفرقاء والمستفيدين، طالما أن الجميع يعترف بممارسات فساد في الإدارة وتدخلات لحماية بعض المرتكبين أو المتحكمين بملفات أساسية، من دون أن نجد أحداً يبادر الى السير في الإصلاح حتى النهاية ويطرح مشاريع تعيد للإدارة التربوية فاعليتها لتعزيز دورها في التعامل مع الجميع بلا حسابات وأحكام مسبقة ومصالح وتمييز.
في ملفات تربوية كثيرة، تدخل السياسة والطائفية، وتؤدي الى ممارسات تفرغ الملفات الأساسية من مضمونها، فلا يعد في إمكان سلطة الوصاية أن تتحرك لحل مشكلة المدارس الخاصة مثلاً، ولا الضغط لتحصيل حقوق المعلمين، وما يحصل اليوم يعكس واقعاً تربوياً سيئاً ودليل على ما آلت إليه أمور التربية وجسمها ومكوناتها في البلد، والتي كانت في ما مضى تصدّر إلى المنطقة نماذج ناجحة وطليعية وأخلاقية. وللعلم أننا لم نشهد أي خطوات إصلاحية توقف المشاريع الملتبسة في التربية وبعض التلزيمات وأيضاً التعاقد، وممارسات، بعضها لا يفيد التربية بشيء، إلا بعض الذين يتولون إدارة المشاريع الممولة ويجعلون التربية في خدمة مصالح وأهداف سياسية وفئوية، ستترك انعكاسات سلبية في المستقبل!
ibrahim.haidar@annahar.com.lb / Twitter: @ihaidar62