“الستين” الخالد
دستورياً، ينتهي العقد العادي الاول للتشريع في 31 ايار المقبل.
ودستورياً ايضا، تنتهي ولاية مجلس النواب الممدد له للمرة الثانية، في 20 حزيران المقبل، ونصبح بعد هذا التاريخ في الفراغ التام.
هذا الفراغ الذي يتصدّى له الدستور، ويرفضه السياسيون في العلن، ستكون له مفاعيل خطيرة على الحياة المؤسساتية ككل. انه كالفراغ الرئاسي الذي يجوّف المؤسسات والسلطات، الى حد نسيان الواجب الديموقراطي.
تماما، كما اعتاد اللبنانيون على فراغ في اعلى سدة من الحكم، لاكثر من عامين، فإن اللبنانيين اعتادوا الا يمارسوا حقهم الانتخابي لاختيار ممثلي الامة منذ الـ2009. هنا المأزق الذي يتخطى مسألة الفراغ، لان إفراغ الحقوق الاساسية من امكان ممارستها يشكل اكبر خطر على ديمومة المؤسسات بطريقة سليمة وصحية. ويخشى ان نعتاد في لبنان على ذلك.
اذاً، بات مصير جلسة 15 ايار على المحك. فلا تمديد ولا فراغ يمكن ان تتحملّه اي فئة سياسية او تأخذه على عاتقها. يبقى الستين. انه القانون النافذ الذي يعود دوما الى الواجهة، كنجم برّاق، على الرغم من تنصلّ الجميع منه، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية.
فاذا كان الستين هو القانون النافذ الذي على اساسه ستجرى الانتخابات، فهل سنبقى نحتاج الى تمديد من اجل تصويب المهل الدستورية؟
بالطبع نعم. يشرح الدكتور في القانون الدستوري وسيم منصوري لـ”النهار”: “حسب قانون الستين النافذ، فانه ينبغي دعوة الهيئات الناخبة الى الانتخابات قبل ثلاثة اشهر من موعد اجرائها، كما ان باب الترشيحات يقفل قبل شهرين من الانتخابات. وبناء على هذه المواعيد، فاننا تخطينا المهل، اذ ان ولاية المجلس المنتهية في 20 حزيران المقبل، فرضت انقضاء المهل، واي عودة الى قانون الستين تحتاج ايضا الى تمديد”.
انها بالفعل المفارقات اللبنانية. حتى الابقاء على قانون الستين المرفوض من الجميع، يفرض تمديدا، لا بل انه الفشل التام.
يعود منصوري الى سابقة واشكالية خطيرة، تحصل للمرة الاولى في تاريخ الجمهورية. “انه الفراغ”. يقول: ” جرى في السابق تعليق لعمل مجلس النواب او تعطيل لكننا لم نشهد مرة فراغا. انها سابقة. وهذا الامر سيقع في حال بقي الخلاف على وضع قانون انتخاب جديد، ولم تتوافر الغالبية للسير بالتمديد، فنكون اسقطنا كل الخيارات”.
حلّ المجلس
اغرب ما في السيناريوات المطروحة ان رئيس الجمهورية بلاءاته الثلاث، اوصد الابواب في وجه التمديد (بلا قانون جديد) والفراغ والستين، فأي مخرج يبقى؟
انها العودة الى المادتين 65 من الدستور و77 منه اللتين تسمحان لرئيس الجمهورية بحل مجلس النواب! انه القدر الذي يضع الرئيس عون مجددا امام صلاحية حلّ مجلس النواب.
جميع اللبنانيين يتذكرون كيف عمد العماد عون، يوم كان رئيس حكومة انتقالية، الى حلّ مجلس النواب عام 1989.
في ذاك العام، قال عون: “حل مجلس النواب هو الذريعة الأخيرة بحوزتي كي يتراجع النواب عن اتفاق الطائف، وان اعترافهم بهذا الاتفاق يحلّهم من التزامهم بما زعموا انهم قبلوا به مرغمين”.
عامها ايضا، اصرّ غالبية النواب على المضي في الطائف حتى استكماله، في وقت اصر عون على أنه مستمر “بمحاربة هذا الاتفاق حتى إسقاطه”، مؤكداً انه لن يلجأ إلى القوة العسكرية لأنه “ليس بالدبابات وحدها تسقط الاتفاقات”.
اليوم… هل يعود عون الى اسقاط الفراغ والتمديد عبر هذا الحق؟
صحيح انه بعد الطائف، بقيت هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية، انما اصبحت مشروطة بموافقة مجلس الوزراء، ومبررة بجملة اسباب، بما قلّص من حدود رئيس الجمهورية. اذ تقول المادة 65 من الدستور: ” حلّ مجلس النواب يكون بطلب من رئيس الجمهورية اذا امتنع مجلس النواب، لغير اسباب قاهرة عن الاجتماع طوال عقد عادي او طوال عقدين استثنائيين متواليين لا تقل مدة كل منهما عن الشهر او في حال رده الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل. ولا تجوز ممارسة هذا الحق مرة ثانية للاسباب نفسها التي دعت الى حل المجلس في المرة الاولى”.
انه الحق المكبلّ والذي ظاهريا، لا تتوافر ظروفه او اسبابه، ولكن هل سيلجأ اليه الرئيس عون، مفتتحا معركة بمفاعيل سياسية كبيرة، واولها ستكون مع رئيس مجلس النواب؟
الاهم انه بعد حلّ المجلس، ووفق المادة 25 من الدستور، فإن قرار الحل ينبغي ان يشتمل على دعوة الى اجراء انتخابات جديدة، وهذه الانتخابات، تجري بحسب المادة 24، في مدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر.
معنى ذلك، ان هذا “الحل”، يمكن ان يكون، برأي البعض، مقدمة لاجراء انتخابات، في محاولة حث المعنيين اكثر على وضع قانون جديد، تحت قوة ضغط حلّ المجلس.
انه المجهول الذي ستزداد سوداويته حتى 15 ايار المقبل. فهل سيكرّر عون مشهد عام 1989… فيطلّ على اللبنانيين ليعلن حلّ مجلس النواب في الـ2017؟ هذا المجلس الذي انتخبه رئيساً للجمهورية!
manal.chaaya@annahar.com.lb