سوريون يغادرون عفرين هرباً من القتال بين القوات التركية وقوات حماية الشعب الكردية. (أف ب)
أعادت مشاهد المدنيين #الاكراد و#الايزيديين و #المسيحيين الهاربين من#عفرين اليوم أمام تقدم القوات التركية والفصائل السورية المتحالفة معها، الى الذاكرة مأساة العراقيين، وخصوصاً الموصليين، الذين هربوا من “داعش” بعد غزوه السريع لنحو ربع مساحة العراق عام 2014. في حينه، هرب الالاف الى جبال سنجار، حاملين معهم ما خف من أمتعة، وتشتتت عائلات كثيرة، قتل بعض أفرادها برصاص مقاتلي التنظيم فيما وقع آخرون في الاسر. ولعل الفظائع الكبرى التي ارتكبها “داعش” في حينه كانت في حق فتيات نساء أيزيديات أخذهن سبايا واستعبدهن جنسياً. وبعد مرور أربع سنوات على تلك المأساة، لا يزال مصير عدد كبير من أسرى “داعش” مجهولاً، ويخشى البعض تكرار المأساة حالياً مع الاقليات الهاربة من عفرين.
عادت مبعوثة الامم المتحدة للعنف الجنسي في النزاع براميلا باتن من رحلة الى العراق بشهادات مؤلمة من نساء يعانين أزمات نفسية حادة نتيجة وصمات مزدوجة كونهن كن ضحيات للعنف الجنسي والرق الجنسي، إضافة الى اتهامهن بصلات ب”داعش” الذي أخذهن سبايا بعد غزوه ثلث العراق عام 2014.
وروت باتن التي زارت العراق بين 26 شباط والخامس من آذار، إن نساء عدة يخشين العودة الى منازلهن خوفاً من الانتقام منهن. وخلال لقائها رجال دين عراقيين، سمعت تأييداً كبيراً لعودة النساء الى منازلهن، إلا أنها أبلغت ان التركمانيات سيواجهن رفضاً من مجتمعاتهن، وأن النساء الايزيديات اللواتي تعرضن مراراً للاضطهاد بعد الغزو السريع للتنظيم الجهادي للموصل ونحو ثلث العراق تقريباً عام 2014، بتن برغبن في مغادرة العراق.
فعلى رغم تحرير الموصل في تموز الماضي واعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي نهاية “دولة الخلافة”، تقول باتن إن تأُثير النزاع واحتلال “داعش” يؤثران لا على النساء فحسب، وإنما على أولادهن أيضاً، وأن سلطات محلية أبلغت اليها أن نساء اغتصبن وأخذن سبايا تخلين عن أولادهن الذين ولدوا من مقاتلي “داعش”، الامر الذي اضطر الحكومة الى اقامة دور أيتام لـ”آلاف من الأولاد”، وهم من التركمان والشيعة والايزيديين.
وعلى رغم تحرير عدد كبير من الايزيديات والعراقيات الاخريات اللواتي أخذهن “داعش” سبايا، يقول مراد اسماعيل المدير التنفيذي لمنظمة “يزدا” التي تنشط لمحكمة مقاتلي “داعش” بجرائم حرب، والذي التقى باتن خلال زيارتها للعراق، إنه لا يزال هناك اكثر من 3000 أمراة وفتاة ايزيدية من العراق مفقودة لدى “داعش”، وأن اكثر من 75% من الايزيدين في العراق أي ما يعادل 320 الف شخص، يعانون في مخيمات النزوح، وهم عاجزون عن العودة الى ديارهم، فضلاً عن الالاف من الارامل والايتام الذين لا يتلقون أي دعم.
ثمة خيبة كبيرة لا عند المسؤولة الدولية والناشط الايزيدي فحسب، وإنما لدى جميع الاقليات العراقية التي تعرضت لابادة على يد التنظيم المتشدد. إذ على رغم موافقة مجلس الامن والعراق في أيلول الماضي على شروط تشكيل فريق تحقيق بموجب القرار الاممي 2379، الذي ينص على محاسبة “داعش” عن الجرائم التي ارتكبها في العراق، بما في ذلك التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، لا يزال الفريق غير مكتمل، علماً أنه يفترض أن يضم قانونيين دوليين وعراقيين بقيادة شخصية دولية، وينظر في جرائم الابادة، وجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية. وفي ما عدا ذلك، هناك خيبة أمل كبيرة بسبب عدم احالة اية ملفات على محاكم عراقية ولم يصدر اي حكم في أي من الجرائم التي ارتكبت بحق الايزيديين وراح ضحيتها ١٢ الف من النساء والاطفال والرجال بين القتلأمل كلوني والسبي الاسر.
وحتى الاعلام انشغل عن مآسي الايزيديين بهموم أخرى. فبعدما لفت قصص سبايا التنظيم العالم، تراجع الاهتمام بتلك المأساة. ويؤكد اسماعيل أن المحامية الدولية أمل كلوني لا تزال تعمل بشكل مكثف على ملف الايزيديين والايزيديات. وهناك ملفات قيد التحقيق لاحالة المجرمين على المحاكم. وكانت كلوني كانت القوة الكبرى خلف اصدار القرار الاممي ٢٣٧٩ .
وفي المقابل، أبدى اسماعيل خيبة الايزيديين من اللامبالاة حيالهم على المستويات العراقية والعربية والاسلامية. وقال: “كنا نتوقع ان يتم تشكيل فرق خاصة لتحرير المختطفات. كنا ننتظر توفير حياة كريمة للناجيات بعد تحريرهن، ولكن الحقيقة ان كل ذلك لم يتحقق. ويواجه الايزيديون اليوم مستقبلاً مجهولاً. واذا استمر اهمال قضيتهم ، قد نجد نهاية وجودهم التاريخي في هذا العراق خلال العقود القليلة االمقبلة”.
وكانت جامعة الدول العربية أعلنت ان دعم النساء والفتيات الايزيديات سوف يكون ضمن المواضيع التي سوف ستناقش في القمة المقبلة، الامر الذي اعتبرته “يزدا” خطوة ايجابية، ولا سيما ان الايزيديين عاشوا في وطنهم جنبا الى جنب مع المسلمين، وكانوا مواطنين جيدين وحافظوا على موقفهم المحايد من الاخرين طوال تاريخهم”.
الى ذلك، تمنى اسماعيل أن تضطلع الجامعة بدور قيادي في حماية الايزيديين ووجودهم كمجتمع في العراق وسوريا، معتبراً أن “حماية الايزيديين، والمسيحيين والصائبة المندائيين، والكاكائية والبهائيين وغيرهم من الاقليات غير المسلمة في العالم الاسلامي هي مسؤولية المسلمين وقادتهم بالدرجة الاساس”. ودعا الجامعة العربية اولا الى الاعتراف بالابادة الايزيدية، والاعتراف بحق الايزيديين كشعب في الحياة الكريمة والحقوق المتساوية.
عفرين
حالياً، ثمة مخاوف من تكرار مأساة الايزيديين، ولكن في شمال سوريا حيث كان يعيش نحو 90 ألف ايزيدي في منطقتي عفرين والجزيرة. ومع أن الكثيرين غادروا المنطقة، يواجه الباقون تهديدات كبيرة في ظل الحصار المفروض على عفرين خصوصاً.
وتخشى الناشطة في حقوق الانسان وداد أكرييه أن يكون الوضع أسوأ مما كان عليه في سنجار، محذرة أن الاقليات الدينية والاتنية من الاكراد والمسيحيين والأيزيديين هم في خطر حقيقي. وتقول: “هذه المرة يتعاون الجهاديون (في اشارة الى فصائل الجيش السوري الحر) مع الجيش التركي، وينسقون مع مقاتلاته”.
وناشدت الناشطة الايزيدية ناديا مراد التي نجت من مذبحة “داعش” الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ومجلس الأمن الطلب من كل الاطراف احترام حقوق المدنيين والعمل في اتجاه وقف النار.
ويقول القيادي في حزب الاتحاد الديموقراطي ابرهيم ابرهيم أن الاف الاشخاص يفرون من عفرين مع اقتراب القوات الكردية والفصائل السورية المتحالفة معها من المدينة، موضحاً أن أولئك الذين يفرون يتجهون صوب المناق التي يسيطر عليها النظام، موضحاً أن المديين يفرون خوفاً من أن ينفذ المهاجمون فظائع في حق الاكراد والاقليات الاخرى.