
14032018
أُدرج مسجدان في لندن أمس على قائمة التراث التاريخي والمعماري الوطني الإنكليزي، في خطوة تعكس الطراز المعماري العريق للمسجدين، وثراء الإرث الإسلامي في بريطانيا ومجتمعها المتعدد الثقافات. ليس هذا فحسب، فالمسجدان وراءهما تاريخٌ وسياسة وحكايا يرتبط بعضها بالملكيْن جورج السادس وفاروق، ورئيس الوزراء السابق ونستون تشرشل.
المسجدان المعنيان هما مسجد لندن المركزي والمركز الثقافي الملحق به في ريجينتس بارك، ومسجد فضل في حي ساوثفيلدز. وأعلنت وكالة «هيستوريك إنغلاند» (هيئة التاريخ الإنكليزي) في بيان أمس، أن وزارة الثقافة البريطانية أدرجتهما على قائمة التراث. وقال وزير الدولة لشؤون التراث مايكل إيليس في بيان: «بإدراجنا هذين المسجدين الرائعين على القائمة، لا نحافظ على مواقع عبادة مهمة فحسب، وإنما نحتفل أيضاً بالإرث الغني للجماعات المسلمة في إنكلترا».
المسجد المركزي، وفق الوكالة، افتُتح عام 1977، وبوشر ببنائه عام 1970 على أرض قدمتها حكومة تشرشل «اعترافاً بأهمية المعتقد الإسلامي في المملكة المتحدة، في مجتمع متعدد الثقافات بصورة متزايدة». يمتاز المسجد بقبته الضخمة المذهبة ومنارته البيضاء البالغ ارتفاعها 44 متراً، وشُيّد وفقاً لطراز يزاوج بين «الحداثة البريطانية» و «الأشكال التقليدية للعمارة الإسلامية».
وتتعدد الروايات في الظروف التي أحاطت ببناء المسجد الكبير. ويؤكد بعضها أنه تقدير للجهود والتضحيات التي بذلها الجنود الهنود المسلمون دفاعاً عن بريطانيا في المعارك خلال الحرب العالمية الثانية، ما دفع تشرشل في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1940 إلى تخصيص 100 ألف جنيه إسترليني لشراء موقع لبنائه، ووقع الاختيار على بقعة في منطقة ريجينتس بارك في لندن.
وترجح رواية أخرى أن الملك فاروق، ملك مصر والسودان، قدم أرضاً لبريطانيا لبناء كاتدرائية أنغليكانية في المنطقة، فبادله الملك جورج السادس (والد الملكة إليزابيث الثانية) بمنح أرض للمسلمين لبناء مسجد عليها. وتضيف أن الملك جورج افتتح المركز الثقافي الإسلامي عام 1944.
أَنجز التصميم المميّز للمسجد المهندس الإنكليزي السير فريدريك غيبيرد الذي فاز بمسابقة نظمها المشرفون على المشروع، وشارك فيها مئات المصمّمين المسلمين وغير المسلمين عام 1969. وانتهى بناؤه عام 1977، وهو يعتبر أحد أكبر المساجد في بريطانيا، ويتكوّن من ثلاث طبقات تشمل القاعة والمكتبة وباحة للمطالعة ومكاتب الإدارة والمئذنة. وتتسع قاعته الرئيسة لنحو خمسة آلاف مصلٍ، وفيه شرفة للنساء مطلّة على البهو الذي يتوزّع في جنباته بعض قطع الأثاث، وتتوسطه سجادة كبيرة.
يُشرف على المسجد مجلسُ أمناء مكون من عدد من سفراء الدول الإسلامية والعربية، ما يشكل دعماً مادياً جيداً له. ويُشرف المركز الإسلامي على الأنشطة الإسلامية، مثل إقامة الشعائر الدينية، وتحديد مواقيت الصلاة في لندن كل عام، والاحتفال بالمناسبات الدينية، وعقد الزواج وتوثيقه، كما يرعى ويوجه من يعتنقون الإسلام حديثاً الذين قُدر عددهم بحوالى 300 مسلم سنوياً.
أما مسجد فضل، الذي أُنجز بناؤه عام 1926، فهو أول مسجد بني في لندن، «هو مزيج من أشكال معمارية هندية واتجاهات أسلوبية بريطانية معاصرة».
ولفتت الوكالة إلى أنها عززت أيضاً تصنيف أقدم مسجد على الإطلاق في المملكة المتحدة، وهو مسجد «شاه جاهان» الواقع في جنوب بريطانيا، ليُصبح من «الفئة الأولى» التي تضم مباني تكتسي «أهمية استثنائية». وبُني هذا المسجد عام 1889، بتمويل من شاه جهان، وهي ملكة مسلمة حكمت إقليم بهوبا في الهند خلال القرن التاسع عشر. وصمَمه المهندس وعالم اللغويات، المستشرق البريطاني ذو الأصول المجرية غوتليب ويهيلم ليتنر، ليكون مكاناً لصلاة الطلاب، ومعهداً للدراسات الشرقية، قرب بلدة ووكينغ في ساري.