
- موناليزا فريحة
- المصدر: “النهار”
- 25 أيار 2020 | 13:57

وصلت أولى الناقلات الخمس المحملة وقوداً من إيران إلى موانئ شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة (بي.دي.في.إس.إي)، مخترقة العقوبات الأميركية على طهران. ولم تواجه الناقلة “فورتشون” أية تدخلات أميركية في مياه الكاريبي الذي وصف يوماً بأنه “بحيرة أميركية” ويشهد تعزيزات عسكرية أميركية كبيرة.
ووفقا لحكومتي إيران وفنزويلا، ومصادر وتقديرات موقع تتبع السفن (تانكر تراكرز دوت كوم)، بدأت إيران إرسال 1.53 مليون برميل من البنزين ومشتقاته إلى فنزويلا في خطوة انتقدتها السلطات الأميركية، نظرا لخضوع البلدين لعقوبات.
وأبحرت السفن الخمس إلى فنزويلا وسط تقارب كبير بين طهران وكراكاس. ودخلت الناقلة الثانية “ذا فورست” الكاريبي يوم السبت، فيما تواصل الناقلات الثلاث الأخرى طريقها في الأطلسي، ويبدو أن الاخيرة “ذا كلافل” هي على مسافة ثلاثة أيام من “فورتشون”.
ومع أن ناطقاً باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أفاد الأحد أنه ليس لديه علم بأي إجراء عسكري مخطط ضد الناقلات، تحدثت تقارير أميركية في وقت سابق عن تقديم خيارات عدة للرئيس الاميركي دونالد ترامب لوقف تسليم الوقود.
عصفوران بحجر واحد
ويشكل ضرب عصفوري “دولتين مارقتين” بحجر واحد، بحسب الباحث البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مارك فيتزباتريك خياراً جذاباً لترامب، وخصوصاً أن “الضغط الأقصى” هي سياسته الثابتة حيال الدولتين.
فما هي السيناريوات التي كانت مفترضة وما الذي قد يكون دفع واشنطن الى السماح لطهران كراكاس بتحديها في فنائها الخلفي؟
كانت وكالة أنباء “فارس” الايرانية شبه الرسمية أفادت أن ثمة أربع بوارج أميركية في الكاريبي تستعد لمواجهة محتملة مع الناقلات الايرانية. وحذر الرئيس الايراني حسن روحاني من الرد على أي تحرش أميركي، وقبله حذر وزير الخارجية محمد جواد ظريف من تحركات أميركية لعرقلة وصول الناقلات الى فنزويلا.
وفي الواقع، تنفذ المدمرات “يو أس أس لاسن” و”بربل” و”فاراغوت” مع البارجة “يو أس أس ديترويت” دوريات في الكاريبي في إطار عملية لمكافحة تهريب المخدرات بدأت في الأول من نيسان، ويمكن أن توجّه لاعتراض الناقلات الإيرانية.
ولا شك في أن اعتراض البحرية الأميركية السفن الايرانية في عرض البحر كان سيعتبر عملاً استفزازياً، ولكنه لن يكون سابقة. ففي عام 2003، اعترضت البحرية الاسبانية بناء على اشارة من الاستخبارات الاميركية سفينة شحن كورية شمالية كانت تنقل صواريخ “سكود” إلى اليمن. ولكن ذلك التحرك كان قانونياً في حينه لأن السفينة “سو سان” لم تكن مسجلة. وفي تسعينات القرن الماضي، اعترضت البحرية الأميركية سفناً في الخليج لمنع نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من تصدير النفط في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة.
وضع مختلف
ولكن الوضع يختلف هذه المرة، إذ لا قرار دولياً يمنع إيران من تصدير الوقود ولا فنزويلا من استيراده. وحتى العقوبات الأميركية الأحادية لا تتضمن أحكاماً تتيح اعترض السفن الايرانية وتفتيشها.
ويلكن فيتزباتريك يلفت إلى إنه إذا كانت الناقلات ترفع “أعلام الملاءمة” ( أعلام دول ذات سيادة خلافاً لدولة مالكها) على غرار ما تفعل أكثر السفن التجارية، قد توفر الاتفاقات الموقعة بين الولايات المتحدة وغالبية هذه الدول، مثل بنما وجزر مارشال وليبريا، ذريعة للقوات الاميركية على اساس شبهات بنقل مخدرات أو معدات لها علاقة بأسلحة الدمار الشامل. ولكن هذه الذريعة قد تكون مقبولة بالنسبة إلى سفن الشحن، إلا أنها ستبدو مضحكة مع ناقلات نفط.
وفي كل الأحوال، لا تدخل هذه الناقلات في سياق هذا السيناريو كونها ايرانية ومسجلة في ايران. وبسبب العقوبات الاميركية، لم تعد الناقلات الايرانية ترفع علماً أجنبياً.
ولكن ثمة زاوية أخرى يمكن أن تشكل مبرراً قضائياً مقبولاً لأميركيا لاعتراض السفن، وقد برزت في تصريح نائب القائد للأسطول الخامس نائب الأدميرال دان ميلر بأنه يشتبه في أن الناقلات تحمل على متنها عناصر حماية من “الحرس الثوري”، وهو ما يجعل اعتراضها “لعبة عادلة”، بموجب القرار الأميركي تصنيف الحرس عام 2019 “منظمة أجنبية إرهابية”.
ومن شأن خطوة كهذه أن تشكل سابقة في ملاحقة “الحرس الثوري” في الكاريبي، وتفتح جبهة أخرى في حرب غير معلنة.
المعارضة الفنزويلية
وتحمل الناقلات الخمس حوالي 1.5 مليون برميل من الوقود، ومرًت في قناة السويس في الأسبوعين الأولين من أيار.
وتملك فنزويلا أكبر احتياط نفطي في العالم لكن إنتاجه يشهد تراجعا كبيرا. وتعتبر كراكاس أن العقوبات الأميركية مسؤولة عن هذا الانهيار بينما ينسبه خبراء إلى خيارات سياسية خاطئة ونقص الاستثمارات والفساد.
وانتقد المعارض خوان غوايدو الذي تعترف به نحو ستين دولة، في مقدمها الولايات المتحدة رئيساً انتقاليا للبلاد، وصول ناقلات النفط، مؤكداً أن مسؤولي كراكاس دفعوا ثمن الشحنات ذهباً استخرج بطريقة غير قانونية من مناطق المناجم في جنوب فنزويلا.
وبدأت طهران وكراكاس تحتفلان بتحديهما العقوبات الاميركية.
وعلق السفير الإيراني لدى فنزويلا حجة الله سلطاني على وصول ناقلة الوقود الايرانية، مغرداً على تويتر: “نحمد الله أن ترامب ومستشاريه أدركوا في النهاية أنه في حال احترام القواعد الدولية واتخاذ قرارات منطقية وعقلانية، فلن يصابوا لا هم ولا جنودهم بارتجاجات دماغية خفيفة في إشارة الى اصابة جنود أميركيين بمثل هذه العوارض في قصف ايراني لقاعدة عين الاسد في العراق مطلع هذه السنة.
وبدوره أعلن الرئيس الفنزويلي أن بلاده لن تركع أمام الولايات المتحدة.
مدفع لقتل ذبابة
لم تصل كل الناقلات بعد، ولا يزال التوتر في أوجه، ولكن احتمالات المواجهة كانت ضعيفة منذ البداية.
فمع أن تصدير الوقود الايراني يعتبر خرقاً للعقوبات الاميركية، يقول القاد السابق للأسطول الخامس إن قيمة المنتجات البترولية التي تحملها النلاقلات تقدر بنحو 45 مليون دولار، وهي غير ذات أهمية لأي من اقتصادي فنزويلا وإيران. وقال: “هؤلاء فقراء يتبادلون البنسات في زاوية الشارع…دعونا لا نستخدم مدفعاً لقتل ذبابة”.
وبدوره، لم يكن نائب رئيس مجلس الأميركيتين إريك فارنوورث يتوقع أن تتحرك واشنطن ضد الناقلات الإيرانية، لافتاً إلى أن عملاً كهذا يؤدي إلى تصعيد، وخصوصاً في الخليج حيث يمكن أن تضرب إيران سفناً أميركية.
ولكن امتناع أميركا عن وقف انتهاك طهران للعقوبات سيدفع كلا من طهران وكراكاس الى اعلان النصر وتصوير واشنطن بأنها عاجزة.
monalisa.freiha@annahar.com.lb
@monalisaf