الرئيسية / home slide / ماذا نسيَ الرئيس الأسد في لبنان؟

ماذا نسيَ الرئيس الأسد في لبنان؟

20-05-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”

سليم نصار

الرئيس السوري بشار الأسد في جدّة (أ ف ب).

الرئيس السوري بشار الأسد في جدّة (أ ف ب).

بعد تغييب قسري استمر ١٢ سنة، اشتركت سوريا بـ “قمة جدة” مع كامل أجهزتها الرسمية، الأمر الذي استحق عليه الرئيس #بشار الأسد تهاني زملائه من القادة العرب.

ومع أنه حاول أن يطرد ذلك الكابوس الثقيل من أذهان الحاضرين، إلا أن زيارته لموسكو أظهرت مدى ارتباطه بنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصاً أنه أعرب عن انحيازه وامتنانه له بسبب انقاذه من انقلاب هدده به قادة المعارضة. ومنذ حدوث تلك الزيارة المفاجئة لموسكو، تحولت سوريا إلى منطقة انتشار عسكري روسي.

صحيح أن العاهل الأردني قد أثنى على “قمة جدة” قبل انعقادها، وذلك تمهيداً لإحداث وقع سياسي على بشار الأسد الذي نفحه بأكثر من نصف مليون لاجئ سوري، تماماً مثلما نفح #لبنان بأكثر من مليون ونصف مليون لاجئ.

وبسبب قرب مدينة حلب من تركيا فقط طُرِد نحوها مليونين من السكان. وكان ذلك أثناء قيامه بعملية تطهير عامة تريح العلويين من مشاركة السنّة في الحكم.

ولقد حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من المضاعفات المترتبة عن أزمة اللاجئين السوريين.

وأبلغه أن لبنان، البلد الصغير بمساحته (عشرة آلاف و٤٥٢ كلم مربع) يستضيف أعلى نسبة من نازحي سوريا. علماً أن هذا الوطن الصغير يعاني من واحدة من أقسى الأزمات الاقتصادية والمالية. ويُقدّر الخبراء كلفة أزمة النزوح السوري بأكثر من ثلاثة بلايين دولار سنوياً.

أجاب أمين عام الأمم المتحدة أنه من الواجب القيام بدراسة ميدانية لمعالجة أزمة النزوح السوري إلى لبنان. هذا وقد استغلت الحكومة اللبنانية فرصة السلام الذي خيّم على سوريا، لتعيد ١٥ ألف لاجئ إلى سوريا شهرياً. ولكن حكومة دمشق إدّعت أنها غير جاهزة لاستقبال أي شخص طردته إلى لبنان أو الأردن أو تركيا. هذا مع العلم أن المساحة الجغرافية لسوريا تزيد على ١٨٥،٨٨٩ كلم مربع.

حول هذه المأساة التي يعانيها اللبنانيون، صدرت عن النائب الفرنسي تييري مارياني سلسلة انتقادات، طالب بواسطتها ضرورة منع المزيد من التدهور والإنهيار. وكرر النائب أثناء إلقاء خطابه عبارة: “إننا نغتال لبنان ما لم نحقق شيئاً مجدياً لإعادة السوريين من لبنان، وإجبار الأمم المتحدة، ومجلس الأمن على تنفيذ هذا الموقف المطلوب من جميع الدول.”

والثابت أن ما ردده النائب الفرنسي، سمعه من زعماء لبنان أثناء زيارته التفقدية. وقد ختم تهجماته بمقاربة فجّة عندما قال: تصوروا يا أهل فرنسا، أننا استيقظنا ذات صباح لنكتشف أن بلادنا تعرضت لغزو عشرين مليون غريب. أليس هذا الرقم يتطابق مع المفاجأة التي أعلنها الرئيس السابق ميشال عون أمام الجمعية العامة؟

الكل يذكر خطابه وانتقاده وقوله: إن لبنان يتعرض لنتائج أزمات عقب هروب شرائح بشرية كبيرة. الشريحة الأولى هربت من درعا إلى الأردن… والشريحة الثانية هربت باتجاه لبنان… والشريحة الثالثة هربت من حلب إلى تركيا…

الوضع السيء الذي تركه النازحون السوريون في لبنان قد أسعف النظام البعثي، ولكنه بعثر القوى المركزية التي كان قد جمعها الرئيس الراحل حافظ الأسد.

وفي سنة ١٩٧٧ اعترف العالم أن الوضع الجديد الذي تتمتع به الجمهورية العربية السورية أصبح من أقوى القوى النافذة على مختلف المستويات. أي أنه ليس بحاجة إلى صدقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين… ولا إلى استلاف الاستقرار الداخلي من جهة غربية. فالرئيس الأميركي جيمي كارتر طار إلى جنيف لكي يلتقي المؤسس حافظ الأسد. وقد اعترف مرة وزير الخارجية هنري كيسنجر – أثناء المفاوضات المكوكية – بأن الأسد مفاوض بارع يصعب أن يجاريه أي سياسي آخر في هذا المضمار.

وأتذكر جيداً أنني سألت الرئيس رتشارد نيكسون عن مفاوضات سنة ١٩٧٤، ولماذا فشلت مبادرة السلام التي قبلها حافظ الأسد!

أجاب نيكسون وهو يهز رأسه أسفاً على ضياع الفرصة، ثم قال: في تلك السنة زرت الرئيس حافظ الأسد في مكتبه في دمشق يرافقني الوزير هنري كيسنجر.

وشرح لنا الرئيس السوري ملابسات تلك المرحلة، ولكنه أبلغني قبوله لقرارين ٢٤٢ و ٣٣٨، واستعداده لعقد سلام في المنطقة، شرط استرجاع مرتفعات الجولان بكاملها، والاعتراف بحق الفلسطينيين في التفاوض على وطن.

وفي كتاب “الأسد” يروي المؤلف البريطاني باتريك سيل النص الكامل لذلك المشهد السياسي الغامض، فيقول: عندما اقترب نيكسون – أثناء المفاوضات – من موقف الأسد، تدخل كيسنجر صارخاً: سيدي الرئيس، إننا مضطرون للمغادرة. لقد انتهى الوقت. إن الطائرة تنتظرنا.

عندها علق نيكسون على ملاحظة كيسنجر قائلاً: يا هنري، ألا تريدني أن أتكلم؟

ورد عليه هنري قائلاً: نكمل الحديث في واشنطن…

ولكن فضيحة ووترغيت منعته من تحقيق هذا العمل.

بعد مرور أربعين سنة على تلك الفضيحة، ظهر في واشنطن موظف مسؤول في مكتب التحقيقات الفدرالي يُدعى مارك فيلت ليؤكد أنه الشخص الذي يقف وراء تلك الحادثة. وكشف للصحف أنه كان يلتقي بوب في مرآب للسيارات تحت الأرض ليزوده بالمعلومات.

ثم تبيّن لاحقاً أن فيلت كان خيطاً في شبكة عنكبوتية واسعة تضم الجاسوس جوناثان بولارد ومن يعملون لمصلحة اسرائيل!

مع العودة إلى نظرة الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى لبنان، لا بد أن يرى فيه ما رآه في السابق، أن بيروت لم تستضف يوماً رئيساً واحداً للجمهورية السورية في زيارة رسمية وهو في سدّة الحكم!

ومع هذا كله ففي سنوات الحرب الأهلية، واستقواء الفلسطينيين بحصيلة حرب الفنادق، أيّد ياسر عرفات رفيقه أبو اياد، وقوله: “إن طريق القدس تمر في جونية”.

وكانت التجربة الفاشلة التي خاضها أبو عمار ورفاقه في الأردن بغرض الاستيلاء على الحكم، قد خضعت لتجربة فاشلة في لبنان أيضاً.

وخلال ثلاثة أيام فقط كانت القوات السورية قد استردت ما للبنان للبنان، بعد أن طردت ياسر عرفات إلى خارج حلبة النزاع.

إلى جانب هذا الواقع، استمرت الممارسات الرسمية أثناء العهود السورية المتعاقبة، لا فرق أكان ذلك في ستينات وسبعينات حافظ الأسد… أم خلال فترة نجله بشار.

ومن المؤكد أن “قمة جدة” ستقدم للوفد السوري الفرصة المناسبة لمراجعة المراحل السالفة لدور طبيب العيون بشار، عساه يرى من جديد الثمار الجديدة لـ “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق”!