25-08-2021 | 00:00 المصدر: النها


السيارات على طريق سريع مع غروب الشمس في العاصمة الإيرانية طهران (أ ف ب).
بالنسبة الى ديبلوماسيين اجانب في بيروت، فان المواقف التي اطلقها الامين العام لـ”#حزب الله” في شأن استيراد المازوت الايراني الذي برره للمستشفيات والافران ستشكل انتصارا له بناء على السردية الخطابية التي قدمها عن خرق السفن الايرانية الحصار وهو غير موجود على لبنان في حين ان هناك عقوبات على ايران وعلى الحزب وليس على لبنان. وهذه نقطة مهمة كون لبنان ليس معنيا عملانيا ب#العقوبات على ايران واذا كان من اجراء تتخذه الولايات المتحدة فهو على الدولة التي تطاولها العقوبات، وفي حال سوريا فان العقوبات الاميركية تطاول كلا من ايران والنظام السوري او مع فنزويلا ايضا التي تطاولها العقوبات شأنها شأن ايران. وهذا فارق مهم يضاف الى الفارق الذي يحدثه ان استيراد النفط من ايران لا تتجرأ الحكومة اللبنانية على القيام به ولا كذلك الدولة عبر رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رمى عبر البيان الذي اصدره عن وجود خطة اميركية لاستجرار الغاز المصري عبر الاردن وسوريا الى خانة التبروء من اتخاذ موقف ازاء ما اعلنه نصرالله على قاعدة الايحاء بوجود كباش ايراني اميركي في لبنان الذي يشكل مع رئاسته وشعبه ضحية هذا الكباش.
اذ ان عون نفسه وفريقه يتحدثان عن حصار على لبنان شأنهما شأن حليفهما ” حزب الله” ويرجح البعض ان يكون اصدار عون البيان عن الخطة الاميركية لاستجرار النفط احراجا للسفارة الاميركية لا بل واشنطن ايضا علما ان خطة استجرار الغاز ليست ناضجة وتحتاج الى وقت ليتم استكمال عناصرها. وتطمح ايران الى ان تتعامل معها الحكومة اللبنانية وتتولى استيراد النفط منها وفق اتفاقيات في هذا الاطار وليس ارسال باخرة او باخرتين الى ” حزب الله”. ويندرج جزء كبير من السردية التي قدمها السيد نصرالله للاستهلاك الداخلي والسعي الى تسجيل نقاط سياسية في اتجاهات متعددة في حين انه بالعودة الى مقاربة الامور من الادارة الاميركية الحالية مع ايران اختلفت كليا عن مقاربة الادارة السابقة. فادارة الرئيس جو بايدن لم تبد اي رد فعل على ارسال ايران بواخر نفط الى فنزويلا مطلع السنة الجارية فيما اعتبره مراقبون انذاك تعبيرا عن تحفظ الادارة الجديدة عن العقوبات التي اعادت ادارة سلفه فرضها على ايران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي واستعدادا لاظهار نية حسنة تجاه ايران وتشجيعا لها على العودة الى العمل بالاتفاق. ولكن بواخر النفط الايراني الى فنزويلا لم تحصل كتقدمة منها فيما يعاني الاقتصاد الايراني من صعوبات جمة بل ان فنزويلا التي تخضع بدورها للعقوبات الاميركية زودت ايران بالذهب والسلع التي تتوافر لديها ثمنا للنفط. وكانت ادارة ترامب احتجزت اربع ناقلات نفط ايرانية الى فنزويلا قبل اشهر قليلة من موعد الانتخابات الاميركية التي اتت ببايدن للرئاسة، ولكن واشنطن غضت النظر عن نقل النفط على هذه الوجهة في المرحلة الانتقالية بين الادراتين خصوصا ان واشنطن كانت في وضع غير اعتيادي انذاك. كما ان ادارة بايدن لم تعلق لاحقا على تجاوز ايران العقوبات المفروضة عليها وعمدت الى ارسال النفط الى فنزويلا في بداية السنة الحالية وكذلك الامر الى سوريا انما على نحو مختلف. يضاف الى ذلك ان هناك وعودا اميركية لايران برفع العقوبات بعد العودة الى العمل بالاتفاق النووي الذي لا تزال مفاوضاته عالقة في فيينا.
في اي حال وفي جواب على سؤال خلال الاحاطة الصحافية مطلع الأسبوع لوزارة الخارجية الاميركية قال المتحدث باسم الوزراة نيد برايس عن رد الفعل الاميركي على اعلان ” حزب الله” استيراد النفط من ايران : “لا تزال جميع العقوبات على ايران سارية المفعول وعندما يتعلق الامر بالنفط، فان هذا الامر لم يتغير”.
وهذا يترك المجال مفتوحا امام تكهنات حول رد الفعل الاميركي تاليا ازاء ايران ولكن ايضا ازاء خطوة الحزب. فهناك تداعيات سياسية خطيرة لهذه الخطوة التي صورت على انها معركة كبيرة قد يسجل فيها ” انتصار ” جديد لا سيما ان الخطوة تم تصويرها في اطار تبادل او تنافس الخطوات ليس بين ايران واميركا بل بين اميركا والحزب. وهذا ليس قليلا بالنسبة اليه في طرح نفسه في موقع الندية في الصراع. وهذا ما قد لا تحبذه واشنطن جنبا الى جنب مع توفير هدية للحزب والمحور الذي ينتمي اليه. فهناك خطاب شمل من ضمن من شمل استهداف الافرقاء من الخصوم السياسيين للحزب وغير المعادين للولايات المتحدة. ومرور هذه الخطوة كانتصار سيحشر هؤلاء جميعا في الزاوية لا سيما ان خطوة استيراد النفط لتخفيف المعاناة عن اللبنانيين امر يصعب رفضه في ظل ما يحصل من انهيار كارثي متدحرج في لبنان خصوصا اذا سكتت واشنطن عن الخطوة ولم تبد اي رد فعل. فالحزب لا يريح بيئته فحسب ولا يحضر للانتخابات النيابية المقبلة ايضا فقط بل ان رسائله الابعد تطاول تجاوز الدولة اللبنانية وتحديد مفهوم اخر لسيادة لبنان على ” البواخر المنطلقة من ايران” والتحكم بالقرار الاقتصادي وليس بالسياسي فحسب. اضف الى ذلك ان الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي غدت محشورة في الزاوية ازاء وضعها امام امر واقع يقفل في وجهها محاولة رأب الصدع مع الدول العربية ولا سيما الخليجية منها في ظل استهداف نصرالله ايضا للمملكة السعودية كما للولايات المتحدة. وهذا كله لا يترجم في عرقلة تأليف الحكومة بل عدم الرغبة في تاليفها واستباق جدول اعمالها باعادة التوازن المفترض الى الواقع السياسي عبر فرض ارجحية للخلل السياسي القائم ما يطيحها عملانيا.
من هنا تنطوي ردود الفعل المرتقبة على حذر كبير ومخاطر كبيرة في حال حصولها او عدم حصولها لا سيما في ظل واقع انشغال الولايات المتحدة بالمستجدات في افغانستان.
rosana.boumounsef@annahar.com.lb