24-02-2023 | 00:15 المصدر: “النهار”

الرئيس سعد الحريري بين المحبين في ساحة الشهداء (أرشيفية – نبيل اسماعيل).
زعيم تيار “المستقبل” الرئيس #سعد الحريري أنهى، كما صار معلوماً، قبل أيام، زيارته النوعية اللافتة ل#بيروت وعاد الى مقر إقامته في أبو ظبي، لكن تداعيات هذه الزيارة وارتداداتها ما انفكت حاضرة تتردّد في عمق الأوساط السياسية اللبنانية التي لا يمكن أحداً أن ينكر أنها في حال من الشلل والمراوحة والحاجة الى عنصر جديد يكسر الرتابة ويحرك مياه بحيرتها الراكدة.
الأسئلة تتركز بطبيعة الحال حول ما الذي حملته هذه الزيارة وأضافته على مستويين. الأول على مستوى الساحة السنية التي بدت بانكفائه منذ ما يزيد عن عام في حال عدم اتزان ما ترك تأثيرات سلبية على صعيد المعادلة السياسية الوطنية.
والثاني ما الذي تركته هذه الزيارة من تبعات على صعيد الوضع السياسي المأزوم الذي يفتقر الى مؤشر أو معطى يعزز الأمل بإمكان تجاوز مرحلة الشغور المدمّر، ومن ثم بعث الروح في دورة المؤسسات والانتظام العام، بما من شأنه أن يفتح الباب أمام احتمال الخروج التدريجي من المأزق؟
النائب السابق لرئيس مجلس النواب #إيلي الفرزلي خير مؤهّل لتشريح هذه الزيارة والإضاءة على الجوانب الإيجابية الواعدة والخفيّة فيها، انطلاقاً من اعتبارين أساسيين: الأول أنه ربما كان السياسي المخضرم الوحيد من خارج تيار المستقبل الذي قُيّض له الاجتماع مرتين بالرئيس الحريري في يومين متتاليين والخوض معه في حوار معمّق تناول كل التطورات والاحتمالات. والثاني أن الفرزلي ظل من الصفوة القابضة بقوة على جمر إيمانها بالدور الواعد والموقع المحوري للرئيس الحريري، وظل مؤمناً بأن غيابه مرحلة ستر لا احتجاب وغياب، على رغم أن ثمة كثراً كانوا أقرب إليه وأكثر التصاقاً بمشروعه ما لبثوا أن غادروا قناعاتهم.
وبناءً على ذلك ينطلق الفرزلي في عملية تقييمه للزيارة ونتائجها المرتجاة عاجلاً وآجلاً، فيقول لـ”النهار”: “لا إفرط إذا قلت إن زيارة الرئيس الحريري ترقى بحدّ ذاتها الى مرتبة الحدث المدوّي والمحطة المفصلية، إن من حيث الشكل أو من حيث المحتوى والمضمون، وهذا الاستنتاج ليس لسان حالي وحسب بل هو بشهادة كل الذين رصدوا الزيارة وتابعوا محطاتها وقيّض لهم الاطلاع على نتائجها”.
أضاف الفرزلي: “في لقائي معه وجدت أن الأمور عنده واضحة والرؤى ناضجة، وأنه استتباعاً محيط بكل شاردة وواردة وكأنه لم يغادر المسرح إلا لساعة”.
واللافت، يضيف الرئيس الفرزلي “أن ما يستاثر بالحيّز الأكبر من رؤية الرئيس الحريري وما يشكل الهمّ الأساس هو مسألة عودته الى ساح الفعل في لبنان ليأخذ موقعه ودوره الطبيعي. فمع يقينه وإدراكه أن ثمة حاجة وطنية بامتياز لاتخاذ مثل هذه القرار والتصدّي للمهمّات المنوطة به، فإنه لا يخفي (الحريري) أن همّه الأساسي هو أين الشريك المستعد لملاقاته في نقطة ثابتة معيّنة ومن ثم يقبل مرافقته بكل نيّة مخلصة في الرحلة الأصعب جنباً الى جنب”.
“وعلى حدّ علمي ، يستطرد الفرزلي، لقد استأثر النقاش في هذه المسألة المحورية بالحيّز الأكبر من مروحة اللقاءات المكثفة التي عقدها طوال أيام إقامته في بيروت”.
ويضيف الفرزلي “طرح هذا السؤال عند الحريري وزواره، ليس أمراً آتياً من فراغ وليس لتبرير الغياب وقرار الانكفاء بل بناءً على تجارب غير موفقة لكي لا نقول تجارب خائبة لم يمرّ عليها الزمن. فليس خافياً أنه سبق للرئيس الحريري أن خاض تجربة شراكة سياسية مع حزب القوات اللبنانية ولكنها انتهت نهاية درامية موجعة له. ولا يمكن بطبيعة الحال نسيان تجربة شراكته المرة مع التيار العوني التي أيضاً لم يمر عليها الزمن ولقد تبيّن بالملموس له ولسواه أن هذا الفريق لم يكن بالأصل يريد شراكة بمواصفات الشراكة بل يريد استتباعاً واستثماراً.
أما على المستوى الشيعي فلا أحد يجهل ما يثقل العلاقة ويكتنفها من حسابات ضيّقة وهواجس وتعقيدات. والرئيس نبيه بري معروف حجم الرغبة عنده بالتعاون والتنسيق مع الحريري ولكنه لا يمثل وحده كل الحالة الشيعية”.
واستطرد الفرزلي “إضافة الى كل هذه المعطيات التعقيدية لا ننسى أن المملكة العربية السعودية مكوّن أساسي وثابت بل وحاسم في ثقافة الحريرية السياسية، فهو لا يمكنه تجاوزها”.
ورداً على سؤال أجاب الفرزلي: “من باب نافل القول إن زيارة الحريري الى بيروت أعادت الاعتبار الى أمر أساسي وهو أنها أظهرت بشكل جليّ حجم التمثيل الحقيقي للرئيس الحريري في ساحة مكوّنه وفي الساحة الوطنية عموماً. وهذا أفصح عنه مشهد الأجيال الشابة الجديدة التي احتشدت من كل المناطق في ساحة الشهداء في وسط بيروت وفي ساحة بيت الوسط لتجدّد ارتباطها الوثيق بالزعامة الحريرية وتدحض بالملموس كل ما روّجه البعض عن أن غياب الحريري يغيّبه عن ساحته وزعامته”.
ورداً على سؤال آخر أجاب “إن الزيارة خلقت دينامية وأعادت الاعتبار الى كثير من المعطيات البديهية ولكن قرار العودة الى الساحة عنده يبقى مرهوناً بظروف ومعطيات حسابها عنده وحده وسرّه عنده حصراً ولكنه في النهاية عائد ولا ريب”.
وما يتعدّى الزيارة وأبعادها فإن السؤال للفرزلي هو عن رؤيته للأوضاع حالياً في ظل هذا الاستعصاء والانسداد؟ فأجاب “ما زلت عند رأيي السابق ومفاده أن البلد يعيش الآن مرحلة شبيهة الى حد بعيد بالمرحلة التي سبقت مباشرة دخول الرئيس الشهيد رفيق الحريري ساح الفعل في مطلع تسعينيات القرن الماضي، إذ إن ذاك الدخول عهدذاك كان إنجازاً بيّناً لصفقة بين معسكرين أساسيين في المنطقة من خلال تسمية الرئيس الراحل الياس الهراوي للرئاسة الاولى ومن خلال تسمية الرئيس الشهيد الحريري لرئاسة الحكومة. واليوم ننتظر استيلاد مثل هذه الصفقة، إذ لا أظن أن ثمة عاقلاً يطمح الى الاستئثار بكل شيء وألا يترك شيئاً لسواه فتلك وصفة لأزمة مفتوحة واشتباك مستمر”.
وكيف يمكن ترجمة هذه المعادلة المنتظرة على الوضع الحالي؟ يجيب الفرزلي “من المنطقي القول إن الرئاسة الأولى لها حساباتها. وإذا ما اقتنعنا بأن منصب الرئاسة الثالثة السنية له أيضاً حالته الخاصّة وهو ما يفترض رضى أكثر من طرف معنيّ، وبناءً على ذلك نرى أن سليمان فرنجية (رئيس تيار المردة) هو الثابت في معادلة الوصول الى سدة الرئاسة الأولى لكي تستقيم الأمور ونطمئن الى أن معادلة الحكم متوازنة ومأمونة”.