جمانة حدّاد
النهار
11122017
العرب، بعد قرار الرئيس الأميركي اعتبار القدس عاصمةً لدولة إسرائيل، هم أنفسهم العرب قبل الإعلان. بين القَبْل والبَعْد، هناك، للأمانة، موجاتٌ عارمة من الاستنكار والتصريحات الشاجبة والتظاهرات الصاخبة. ثمّ لا شيء.
منذ العام 1948 لم يتغيّر شيء في بلاد العرب، على صعيد القضية الفلسطينية. بلى. في العام 1967 اندلعت “حرب الأيام الستة” بين الجيوش العربية والكيان الصهيوني. وقد بشّرنا أحمد سعيد يومذاك بالنصر المبين، فكانت النتيجة أن الطائرات العربية المقاتلة دُمِّرت حيث تجثم، وأن الجيوش هُزِمت عن بكرة أبيها، وأن زهرة المدائن وأجزاء كبرى من فلسطين وقعت بين أنياب الوحش الإسرائيلي، وأن شعباً بأطفاله وشبابه وشيبه قُتِل وشُرِّد وطُرِد من أرضه ليعيش في ذلّ المخيمات وبلدان الشتات.
لكن شيئاً لم يتغيّر في بلاد العرب. بلى، حرب 1973، لغسل ماء الوجه، ليس إلاّ. وفي مرحلة لاحقة الاجتياحات الصهيونية المتتالية للجمهورية اللبنانية، وصولاً إلى اجتياح 1982. الأمر الإيجابي العظيم، تمثّل في اندلاع المقاومة الفلسطينية، والانتفاضات المتتالية، التي أرجفت الكيان الغاصب، ولا تزال، لكنها لم تُفضِ ولن تفضي للأسف إلى أيّ نتيجة حاسمة. لماذا؟ لأن “الأخوان العرب” – باستثناء لبنان – آثروا، ويؤثرون إلى الآن، الخنوع والعبودية والركوع أمام المستبد الغاشم، أكان صهيونياً أم أميركياً، فانحازوا، وينحازون، كما في حرب 1967، وأيضاً على مدى الخمسة والأربعين عاماً الماضية، إلى الاحتجاجات والاستعراضات اللفظية والإنشائية، فأعلنوها حرباً لا هوادة فيها، قوامها التنديدات والشكاوى والعويل والضجيج والجعجعة والرثاء. النتيجة؟ لا شيء.
هذا اللاشيء، أصبح واقعاً. فالعرب أصفارٌ، محض أصفارٍ على الشمال، أو “ظاهرة صوتية”، على قول عبدالله القصيمي.
لن أسترسل في تعداد “مآثر” الأنظمة العربية. يكفي ما جرى في الأيام القليلة الماضية، فهو خير برهان على أن العرب مصرّون على التناغم مع أنفسهم وأمزجتهم وكياناتهم وجيناتهم. إنهم محض “ظاهرة صوتية”.
وكم أتمنّى أن يهبّ من ضمير الغيب عصفٌ عربيٌّ مهيب يحملني على التراجع عن هذا الجزم. وأن يخطِّئني ملوكٌ، أو رؤساء، أو ديكتاتوريون عرب، من المحيط إلى الخليج، فيهبّون بجيوشهم واستخباراتهم وشعوبهم وبترولهم ومالهم وعلاقاتهم الدولية، ليمسحوا العار ويضعوا حدّاً لهذه المهانة الكبرى.
باختصار: الاستسلام إلى هذه الحال نتيجته “مضمونة”. رأيي أنه كلّما ازدادت أسباب اليأس “الموضوعي”، ازدادت مسؤولية كسر هذا اليأس. لا أملك اقتراحاً عملياً للخروج من هذا المأزق العربي العظيم، لكني أدعو أهل الفكر الاستراتيجي في لبنان وبلاد العرب، إلى التبصر في سبل استنباط آليات عمل “واقعية” لمواجهة هذا الاغتصاب العالمي للقدس ولفلسطين، و… لحياتنا العربية برمتها.
ماذا بعد يا عرب!