26-11-2021 | 00:40 المصدر: “النهار”


الرئيس ميشال عون في ذكرى الاستقلال (نبيل إسماعيل).
بتاريخ انتخاب الرئيس #ميشال عون انتشرت صوره شابّاً مع الكتابة الواضحة “#العهد القويّ” وبعد ذلك بقليل انتشرت صورة للرئيس مع الوعد بأنه “بي الكل”.
لقد نسي اللبنانيون هذه الوعود لأن العهد لم يتمكن من المحافظة على مقدار من الرصانة يسهم في استمرار العملة على مستوى مقبول بالمقارنة مع سعر صرف الدولار، والمحافظة على العلاقات الوثيقة مع الدول العربية الخليجية التي كانت دوماً الدول المقصودة من قبل اللبنانيين المهنيين، أطبّاء، مهندسين ومبرمجين لاستعمالات الكمبيوتر، وتمدّد نشاط البنوك اللبنانية الى البلدان العربية النفطية وغير المنتجة للنفط على مستوى كبير مثل مصر والأردن.
مثال الأردن يوفر درساً مفيداً للبنان. فالأردن اجتاز أزمة الصدام مع الفلسطينيين في أيلول 1970 بانتصار الجيش الاردني على مقاتلي عرفات، ومن ثمّ مواجهة رتل دبابات أرسلها الرئيس حافظ الأسد لمناصرة الفلسطينيين، فكان الجيش الأردني كفيلاً بدحر الرتل السوري من الدبابات، وساءت العلاقات بين البلدين لفترة طويلة.
ماذا حدث في لبنان؟ الصدامات ما بين الجيش والمقاتلين الفلسطينيين استمرّت ما بين 1965 و1976 حينما دخلت القوات السورية لفض النزاع وأوقفت الانتشار المسلح الفلسطيني خاصة بعد اتفاق القاهرة في أيلول 1969 الذي أفسح للفلسطينيين فرص النشاط الهجومي على إسرائيل بين فترة وأخرى، وبالتالي سقط ادّعاء استقلال لبنان الذي كان قد وقّع هدنة مع إسرائيل بعد إنشائها وبعد نجاح الجيش اللبناني في مواجهة القوى الصهيونية بتاريخ 1948 في موقعة على قرية لبنانية استطاع الجيش اللبناني صيانتها.
بعد عام 1976 الذي شهد تدفق قوى عربية سعودية وسورية ومغربية لفضّ القتال ما بين الجيش اللبناني ومسلحي القوّات اللبنانية مع القوّات الفلسطينية ومناصريها حينذاك، ومن ثمّ انسحبت القوات السعودية والمغربية، أصبحت مسؤولية صيانة الهدوء ممسوكة من قبل القوّات السورية.
انتخابات الرئاسة التي جرت في موعدها في أيلول 1982 أوصلت بشير الجميّل قائد القوات اللبنانية الى الرئاسة، وقد تصرّف آنذاك كرئيس لجميع اللبنانيين دون تمييز أو تحزّب، ومن ثمّ اغتاله بعد أسبوعين عضو من أعضاء الحزب القومي الاجتماعي، وأدّى الاغتيال الى انتخاب الرئيس أمين الجميّل الذي كان في مقتبل العمر ويتمتّع بطموح كبير لرعاية أميركية لم تُترجم بدعم على صعيد السياسة. وخلال الثمانينيات اشتدّ التأثير السوري عبر غازي كنعان على السياسيين اللبنانيين وتسرّب الى نسبة غير بسيطة من الساعين لإرضاء الوصيّ الجديد على لبنان وشؤونه.
القبضة السورية اشتدّت بعد احتلال العراق للكويت في 1/7/1990. فلو استطاع صدّام حسين السيطرة على الكويت وثروتها النقدية والنفطية لكان أصبح أقوى رئيس عربي، وبالتالي كان من الضروري إطاحة جيشه في الكويت ومنع تسرّب الخوف لعملية قد يقوم بها تجاه المنطقة الشرقية في السعودية التي تحتوي منشآت تصدير النفط وتكريره.
اعتبر الرئيس جورج بوش قضيّة تحرير الكويت أساسية لأنه خشي من سيطرة صدّام حسين، فقرّر مهاجمة الجيش العراقي في الكويت أولاً ومن بعدها في العراق، ودعا الى مساندة التجييش الأميركي، فاختار الرئيس حافظ الأسد إرسال قوّات لمعاونة الأميركيين، وعندها قرّر الأميركيون أنّ لسوريا حرّية ممارسة دورها في لبنان، فكانت النتيجة سعي السوريين على الأرض الى السيطرة على المقدّرات اللبنانية واستقطاب نسبة من الشعب اللبناني لمناصرة سياساتهم.
كان غازي كنعان ممثلاً كفوءاً للسياسة السورية وهو استطاع تسيير الأمور باسترهان عدد من السياسيين اللبنانيين، وأصبحت النشاطات الرئيسية الإنتاجية سواء منها زراعة الحشيشة وتصديرها نشاطاً مربحاً، كما أن البنوك اللبنانية أسهمت في حفظ ودائع السوريين الميسورين، واستمرّت الأمور على هذا المنوال حتى انعقاد مؤتمر الطائف عام 1990 وإنجاز ما سُمّي اتفاقاً يكون بالفعل الدستور الجديد للبنان.
بدلاً من الدستور وتطبيقه وسعي أول رئيس منتخب بعد اتفاق الطائف الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل بعد 17 يوماً على انتخابه والاتجاه الى انتخاب الرئيس إلياس الهراوي، أصبحت السيطرة السورية على الشأن اللبناني متكاملة، وقُيّض لنا رئيس للفريق السوري اسمه رستم غزالة كان يهدّد باستعمال القوّة عند مخالفة توجّهاته التي كانت عشوائية وتركّزه على جمع الثروة، وهو القائد السوري الذي هيمن على لبنان حتى خلال فترة رئاسة الياس الهراوي ورئاسة الوزراء من قبل رفيق الحريري الذي وفد بأفكار جديدة ونيّة لإعادة إحياء العاصمة بيروت. وكان قد أنجز قصر المؤتمرات في دمشق بدعم سعودي، الأمر الذي أوجد بينه وبين الرئيس حافظ الأسد نوعاً من الودّ.
رغم تطلعات رفيق الحريري الحداثية وإدراكه أن الإدارة اللبنانية تحتاج الى برنامج تحديثي يؤدّي الى تفويض مسؤولية الإنجاز إلى أناس مقتدرين، لم يتمكن من تحديث الإدارة اللبنانية.
الاهتراء الداخلي للإدارة الحكومية بلغ حدّاً جعل إقرار أيّ مشروع رهن موافقة رستم غزالة، هذا الرجل الجاهل لقواعد الحكم الرشيد، وكلّ ما كان يعرفه كان التهديد للموظفين الكبار والنوّاب وحتى الوزراء، وربّما بسبب هذا التوجّه وعمله على اكتساب الثروة، وحتى الدكتوراه في التاريخ من الجامعة اللبنانية، واجه الموت دعساً بالأقدام في قريته في سوريا بعد انسحاب القوات السورية عمداً من لبنان إثر اغتيال الرئيس الحريري في شباط 2005.
منهجية رستم غزالة لا تزال تؤثر على قرارات الحكم وتوجّهاته في لبنان، ولهذا السبب أصبح لبنان يواجه مشاكل كفاية حاجات المهجرين، وضرورات دعم مستوردات أساسية، وتركيز السفر في مطار واحد، والنقل البحري في مرفأ بيروت، والمرفأ دُمّر بسبب الإهمال وقصد إقصاء لبنان، وسياسات العهد لا تتنافى مع ممارسات غازي كنعان، رحمه الله ورستم غزالة.
هذا المرض، مثال الحكم في سوريا بعد انسحابها من لبنان، لن ينتهي بالضرورة مع انتهاء عهد ميشال عون.