17-07-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”
لوحة الزواج.
نتشبّع اليوم من #جبران خليل جبران من خلال مؤتمر دولي ينطلق اليوم الإثنين ويستمر غداً الثلثاء في حرم الجامعة اللبنانية الأميركية LAU في قريطم بمشاركة متخصصين دوليين ولبنانيين يتناولون “#النبي” في ذكرى مئويته. يتزامن يوم جبران النبي بإطلاق مدير مركز التراث اللبناني في الجامعة الشاعر #هنري زغيب صاحب الدعوة ترجمة جديدة للنبي من منشورات الجامعة، على ان تتبع ذلك قراءات ممسرحة من نسخة النبي المترجمة من زغيب الخامسة والنصف بعد ظهر اليوم الإثنين في مسرح كولبنكيان في حرم الجامعة نفسها، وهي أمسية من إعداد واخراج لينا خوري واداء الممثل الكبير رفعت طربيه، ويشارك معه طلاب قسم المسرح في الجامعة ومعهم موسيقياً الاستاذ ايلي برّاك.
قبل عرض مجريات الحوار الذي أجريناه مع زغيب عن نسخته المترجمة من النبي، لا بد من التوقف عند بعض الملاحظات التي رافقت هذا الحوار:
.jpg)
غلاف الترجمة
إن المخزون الثقافي، الذي يقدمه زغيب على الساحة المحلية، هو سنابل قمح في بيدر المعرفة. لكن انتقاده في مقدمة الكتاب لبعض ما جاء في ترجمة الارشمندريت أنطونيوس بشير وهو اول من ترجم كتاب النبي دون سواه من الترجمات مجيباً “النهار” بأن “جبران لم يدقِّق بها، هو مدعاة للتعجب لأن السيدة زينالي أيوب المشرفة على متحف الارشمندريت انطونيوس بشير، قد أطلعت زغيب شخصياً على بعض ما جاء في إحدى مراسلات بين جبران وبشير عن ترجمة النبي، ومما جاء في بعض منها: “البست النبي حلّة عربية زاهية لم يكن بإمكاني إلباسه مثلها”، او إضافة الى نشرنا مضمون رسالة أخرى تبين تواصل الطرفين في هذا الخصوص، ولاسيما عندما راسل جبران الارشمندريت مثنياً بأنه “في تعريبك كتاب النبي، منّة لك عليّ سأذكرها شاكراً ما حييت…”، ما يثبت متابعة جبران لمسار الترجمة مع المطران نفسه، الذي كان يشغل رتبة ارشمندريت في حينه.
حاول زغيب طرح إستبدال تعابير عدة في النسخة المقترحة منها تعبير الحب بدلاً من المحبة، وهو عنوان أغنية للسيدة فيروز المستندة في غنائها الى نص الأرشمندريت بشير.
حسم زغيب خيار جبران بأنه كان يقصد كلمة الحب لا المحبة مثلاً، ما كان يفرض تخصيص بعض الوقت في جلسة هذا المؤتمر الدولي لطرح هذه التغييرات أمام الجمهور للتداول في ترجمة هذا الكتاب ومشاركتها مع أهل التخصص.
هنا نص الحوار مع زغيب:
– كيف تقرأ اليوم الاحتفال بمئوية “النبي” في ظل واقع مدينة بيروت المنكوبة ولبنان البلد المأزوم؟
* إيماني أنَّ لبنانَ طبقاتٍ ثلاثًا: عُليا هي لبنان الوطن، وُسطى هي لبنان الدولة، وسُفلى هي لبنان السلطة. و”بيروت المنكوبة” هي بسبب الحُكَّام في الدولة، و”البلد المأزوم” هو بسبب أهل السُلطة. أما”النبي” الخالد فهو في الطبقة العليا: لبنان الوطن الخالد. هكذا أقرأ مئوية “النبي” الذي، على صورة لبنان الوطن، لا يتأثر بيوميات الدولة والسلطة وتفاهاتها وتقصيرها وفسادها، بل يواصل طريقه في الزمان الدائم، كما مؤلفه جبران وسائر المبدعين الذين يسيرون بلبنان الوطن إلى العالَمية التي تشبهه بفضل أعلامه الكبار على أرضه وفي العالَـم.
– ماذا أضافت تجربتك الشخصية في الترجمة التي وصفْتَها بعملية الإبداع لنص كتاب “النبي”؟ وماذا أضفت الى سابقاتها؟
* تجربتي الطويلة في الترجمة (نحو 40 كتابًا من الفرنسية والإنكليزية إلى العربية) صقَلَت أُسلوبي ليصبح ناصعًا، ونقَّت لغتي من شوائب المفردات المستهلَكَة، وجعلَتْني أعتمد أسلوب الإيجاز في لغتي العربية التي ازددتُ تعمُّقًا بها لكثرة عملي على الترجمات، بكل احترام وأمانة للنص الأصلي. أنا لا أترجم أسلوب المؤلف، بل أنقل النص بأسلوبي إلى العربية.
– لمن تتوجه هذه النسخة الجديدة لترجمة “النبي” ولاسيما أَننا في مجتمع لا يقرأ؟
* عبقرية “النبي” أنه يتوجّه إلى جميع الفئات العُمْرية. فالشبان يجدون فيه أجوبةً عن قلقهم، والكبار يجدون فيه تعزيةً لِما بلغوه من العمر. أما أن يكون مجتمعنا لا يقرأ، فعلينا نحن أن نقدم له نتاجًا أدبيًّا صافيًا مثمرًا مفيدًا، وعندها سيُقْبل على القراءة التي لم تعُد اليوم مقتصرة على الورق، بل نقدم النصوص عبر وسائل التواصل الإلكتروني في مختلف وسائطه المتاحة.
– ما هي ملاحظاتك على الترجمات الأخرى (صياغةً وبُنْيةً وأسلوبًا)، لاسيما أنك شدَّدتَ في مقدمة الكتاب على عصرنة ترجمتك لــ”النبي”، وكيف؟
* ليس في الترجمة خطأٌ أو صواب. فهي ليست عملًا علْميًّا بالمعنى الماتيماتيكي. الترجمة احتمالات تختلف بين مترجم وآخَر، إنما الأصل أن يبقى النص المترجَم وفيًا للأصل. ما شددتُ عليه في مقدمتي أن الترجمة عمل إبداعي يختص به مترجم يمتلك لغته الأُم كما يمتلك اللغة التي يترجم منها. وحين ينقل النص الأصلي، يعود إليه أن يصوغه في لغته الأم بما يمتلك من براعة فيها. وهذا ما فعلتُه: نقلْتُ أولًا معنى عبارات جبران، ثم توغلتُ إلى روح النص الحامل روح جبران، فترجمتُ معنى المعنى، وهذا ما يميز ترجمتي عن الترجمات الأُخرى التي فيها الكثير من الصواب، دون اشتغالها على الاحتمالات.
لوحة الحب
– انتقدتَ بعض ما جاء في ترجمة الأَرشمندريت أنطونيوس بشير لكتاب “النبي” رغم أن جبران نفسه أثنى على ما قام به الأرشمندريت، لأنه قرأ هذا العمل وهو حي يرزق؟
* لم “أنتقد” الأرشمندريت بشير، بل ألْمحتُ إلى بعض الانزياحات في نصه العربي (“ألا ترى يا صاح”، أو “الحق الحق أقول لكم”، …) مما لم يكن أصلًا هكذا في نص جبران. أما أن يكون جبران قرأ الترجمة، فرأيي أنه لم يدقِّق بها، بل كان يعتبر (كما كتب يومًا في رسالة إلى ماري هاسكل) أن الترجمة العربية كيفما صدرَت ستكون فيها روحه.
– لماذا غاب عرض تجربة الأرشمندريت بشير عن برنامج المؤتمر الدولي؟ ألا تعتبر خطوة ناقصة في البرنامج عموماً؟
* المؤتمر ليس عرضًا لترجمات “النبي” إلى العربية، فهي كثيرة ومتنوعة (بدءًا من الأرشمندريت بشير، مرورًا بميخائيل نعيمه ويوسف الخال، وثروت عُكاشة في مصر، وسواهم). ولكل ترجمة خصيصتُها التي ارتآها المترجم. لذا قلت إن في الترجمة احتمالات ليست أحكامًا دقيقة على خطإٍ أو صواب. ولذا ما كان يمكن التوقُّف عند ترجمة الأرشمندريت بشير وحده.
– حمل الكتاب أسلوبًا جذابًا في قراءة مضمونه: هندسة الصفحات، حجم الحرف، لوحات جبران معه بإذن خاص من لجنة جبران الوطنية؟
* في جميع مؤلفاتي أحرص على الشكل توازيًا مع المضمون، وعلى أن تكون جميلةً جاذبةً مريحةً قبل أن يدخل قرائي إلى النص. من هنا أُشرف دومًا على إخراج مؤلفاتي بالمظهر والغلاف وحجم الحرف وإخراج الصفحات والعناوين الرئيسة والثانوية، وما إلى سائر ما يجعل الصفحات ناصعة مشرقة. أما لوحات جبران للكتاب، فحرصت على أن أنشرها مع الفصول المناسبة كما وضعها جبران في الطبعة الأولى ورسمها خصيصًا لها. لذا أخذْتُ إذن لجنة جبران الوطنية أن أنشر اللوحات كما هي حاليًّا في متحف جبران.
– غيَّرتَ ترجمة “المحبة” التي رسخت في أذهان الناس من خلال صوت فيروز، وانتقلْتَ بها إلى كلمة الحب. هل زماننا أكثر جرأة للحديث عن الحب فيما كان الزمن السابق يتفادى الغوص في إشكالية الحب؟
* رواج النص ليس دائمًا معيارًا للإبقاء عليه مما هو. صحيح أن الذاكرة الجماعية تعرَّفَتْ إلى هذا الفصل من “النبي” بتعبير “المحبة”، ولحَّنها الأخوان رحباني من نص الأرشمندريت بشير وطارا بها إلى كل الدنيا بصوت الخالدة فيروز. غير أن مضمون النص يوحي برأي جبران في الحب لا في المحبة، فالحب هو الذي يغيِّر في حياة الإنسان ولو جرحه السيف الذي بين جناحي الحب، أما المحبة فلها مفاعيل أخرى غير التي للحب الكبير.
– الترجمة أكثر فصاحة من ترجمات أخرى؟ كيف جسدتَ “المصطفى” و”الميترا” والحوار بينهما؟
* أبقيتُ على النَفَس الأصلي الذي وضعَه جبران لـ”المصطفى” (وهو يقصد به جبران ذاته) وحواره مع “الميترا” (وهو يقصد بها ماري هاسكل) التي كانت أول من آمن بتعاليمه في مدينة أورفليس وكانت أول مريديه. وهي كانت فعلًا عرَّافة لأنها تنبّهت باكرًا إلى عبقرية جبران وكان لها الفضل الكبير عليه طوال حياته سيرةً ومسيرة.
Rosette.fadel@annahar.com.lb
Twitter:@rosettefadel